خلاف بين قطر و"إيرباص" على عيب في طلاء طائرة ركاب يتجاوز منطقة الخليج




اتسع نطاق نزاع بين شركة إيرباص لصناعة الطائرات والخطوط الجوية القطرية على عيوب في الطلاء وعيوب سطحية في الطائرة ايه 350 متجاوزا منطقة الخليج، إذ أثارت خمس شركات طيران أخرى على الأقل مخاوف منذ دخل هذا الطراز عالي التقنية الخدمة.

اتضح ذلك من خلال وثائق اطّلعت عليها رويترز وأكدته عدة مصادر مطلعة.

فقد أوقفت الشركة القطرية تشغيل 20 طائرة من بين 53 طائرة لديها من طراز ايه350 وقالت إنها تتصرف بناء على أوامر من السلطات المحلية المعنية، لحين التأكد من أسباب ما يصفه شهود بأنه ظهور فقاعات أشبه بالبثور على بعض الطائرات من هذا الطراز.

مشكلة "شكلية"

وتقول إيرباص إنه لا توجد أي مخاطر على سلامة الطائرة ايه350، وهي نقطة رددتها شركات الطيران الأخرى التي لم توقف تشغيل أي طائرة ووصفت المشكلة بأنها "شكلية".

وردا على استفسارات من رويترز قالت إيرباص إن بعض المشاكل ظهرت في شكل "تلف سطحي مبكر"، أدى في بعض الحالات إلى ظهور طبقة تحتية من شبكة معدنية الغرض منها امتصاص الصواعق وإن الشركة تعمل على إصلاحها.


وقالت ثلاثة مصادر مطلعة على الوضع إن هذه المادة أدت في طائرات لدى الخطوط الجوية القطرية وشركة طيران أخرى واحدة على الأقل إلى ظهور شقوق، الأمر الذي تسبب في انكشاف جسم الطائرة المصنوع من ألياف الكربون وتعرضه لتلف محتمل من جراء الطقس أو أي عامل آخر.


وقالت إيرباص في بيان أرسلته بالبريد الإلكتروني إن تصميم الطائرة ايه 350، التي دخلت الخدمة عام 2015، يوفر حماية كبيرة لمقاومة العواصف وإنها تعمل في مختلف أنحاء العالم بقدر كبير من الموثوقية.

وسُئلت الشركة عن الشقوق التي ظهرت فقالت إن بعض شركات الطيران عُرضة لتقلبات في درجات الحرارة أكبر من غيرها مشيرة فيما يبدو إلى الظروف الصحراوية في قطر على سبيل المثال.

وطالبت الشركة القطرية بتحديد سبب قاطع وبإصلاح دائم للمشكلة يرضي الهيئة العامة الطيران المدني في قطر. وامتنعت الهيئة عن التعقيب.


تلف تحت الطبقة الواقية من الصواعق

وقال مصدران مطلعان على قرار وقف تشغيل الطائرات إنه قائم على استمرار الغموض الذي يكتنف السبب وأثر التآكل السطحي والشقوق في الحماية من الصواعق.

وتقول إيرباص إنها توصلت إلى سبب رئيسي لكن مصادر في اثنتين من شركات الطيران المعنية قالتا إن الشركة لم تخطرهما بأي أسباب.

وفتح الخلاف الباب أمام معركة على التعويضات قالت المصادر إنها قد تتعلق بمئات الملايين من الدولارات بعد أن أوقفت الخطوط القطرية تسلم 23 طائرة أخرى كانت قد طلبتها من الطراز ايه350.


وخرج الخلاف بين اثنتين من أقوى الأطراف في عالم الطيران إلى العلن في مايو أيار الماضي بعد مرور ستة أشهر على إرسال الخطوط القطرية طائرة من هذا الطراز لتجهيزها وإعادة طلائها في إطار الاستعداد لبطولة كأس العالم لكرة القدم التي تنظمها قطر العام المقبل.


لكن لوحة رسائل تستخدمها إيرباص وشركات أخرى تسير طائرات ايه350 واطلعت عليها رويترز أوضحت أن ما طُرح على مدار أشهر على نطاق واسع كمشكلة منعزلة تتعلق بدرجات الحرارة الشديدة في قطر أصبح مشكلة أوسع نطاقا.

وتبين رسائل أن شركة الخطوط الجوية الفنلندية التي تعمل في شمال الكرة الأرضية حيث الجو البارد أثارت مخاوف تتعلق بالطلاء منذ 2016 وأبلغت في أكتوبر تشرين الأول 2019 عن انتشار التلف تحت الطبقة الواقية من الصواعق.


"مجموعة عمل متعددة المهام"

وتواترت الشكاوى من تلف الطلاء من شركات كاثاي باسيفيك والاتحاد للطيران ولوفتهانزا ومن الخطوط الجوية الفرنسية بصفتها الشركة المسؤولة عن الصيانة لحساب شركة إير كاريبي.

وقال مصدران مطلعان إنه في أعقاب ظهور هذه المشاكل التي لم يسبق نشر شيء عنها شكّلت إيرباص العام الماضي "مجموعة عمل متعددة المهام" وفي الوقت نفسه عملت على دراسة مواد جديدة لحماية الطائرات ايه350 مستقبلا من الصواعق.

وأكدت الخطوط الجوية الفنلندية وكاثاي باسيفيك ولوفتهانزا أن بعض طائراتها من طراز ايه350 أُصيبت بما وصفته بتلف "شكلي". وقالت شركة إير كاريبي إنها وشركة الطيران الشقيقة فرنش بي لم ترصدا مشاكل كبرى في الطلاء أو أي مشاكل تتعلق بالسلامة بصفة خاصة.

وقالت الخطوط الجوية الفرنسية إن طائراتها من طراز ايه350 تعمل بصورة عادية منذ بدأت تشغيلها في 2021 وامتنعت عن التعليق على شكوى شركة إير كاريبي. أما الاتحاد للطيران فامتنعت عن التعليق.


ومما لا ريب فيه أن الخطوط القطرية سبق أن كانت طرفا في نزاعات مع موردين في الماضي قبل الوصول إلى حلول وسط مُرضية. ومن آن لآخر ينتقد رئيسها التنفيذي أكبر الباكر كلا من إيرباص ومنافستها الأمريكية بوينج بسبب أخطاء محسوسة في التصنيع والاستراتيجية.


المشكلة لا علاقة لها بالسلامة

ويقول محللون إن النزاع يتزامن مع مساعي الكثير من شركات الطيران لتقليل اعتمادها على طائرات الرحلات الطويلة وذلك في أعقاب جائحة فيروس كورونا.

وتنفي مصادر بصناعة الطيران في الخليج وجود دوافع تجارية وراء وقف تشغيل الطائرات، وتشير إلى حاجة قطر الماسة للطائرات قبل استضافة كأس العالم.

وليست إيرباص وحدها التي تواجه مشاكل. فقد واجهت بوينغ مشاكل في الطلاء وظاهرة تطاير قطع صغيرة من الطلاء في طائراتها من طراز 787 المنافس لطائرة إيرباص. وقال متحدث باسم الشركة إن هذه المشكلة لا علاقة لها بالسلامة وإنه يجري العمل على حلها.


غير أن قرار قطر وقف تشغيل بعض الطائرات يأتي في وقت حساس لشركة إيرباص التي تسابق الزمن للوفاء بالتسليمات المستهدفة بنهاية العام، وفي وقت تدرس فيه الخطوط الجوية القطرية عروضا من بوينج لإحلال طائرات جديدة محل أسطول طائرات الشحن المكون من 34 طائرة.


"مؤسفة"

في أكتوبر تشرين الأول 2016 وبعد عام من تحول الخطوط الجوية الفنلندية إلى أول شركة طيران أوروبية تشغّل الطائرة ايه350، أبلغت الشركة عن تلف في الطلاء وذلك حسبما ورد على لوح الرسائل. ثم اشتكت الشركة فيما بعد من أن "الطلاء في حالة سيئة للغاية".

وأبلغت شركة كاثاي باسيفيك من هونج كونج والتي تتعامل مع مورد مختلف للطلاء عن مشاكل مماثلة في الشهر نفسه. وبعد قرابة عام قالت الشركة إنها "مازالت تواجه مشاكل تقشر الطلاء في عدة طائرات". وفي إحدى الرسائل كشفت الشركة عن ظهور المشاكل في طائرة من طراز ايه350 بعد أسبوعين فقط من تسلمها.

وقال متحدث باسم الخطوط الجوية الفنلندية "نستطيع أن نؤكد أننا شهدنا بعض المشاكل في طلاء الطائرة ايه350 وأننا نعمل بالتعاون مع إيرباص لحل هذه المشاكل". وأضاف أن المشكلة "شكلية لكنها مؤسفة بطبيعة الحال".


وأكدت شركة كاثاي باسيفيك أن بعض طائراتها من طراز ايه350 شهدت "تدهورا شكليا إلى حد ما". وقالت إنه تم تحري جوانب المشكلة بالكامل وإنه ليس لها أي أثر على سلامة الطائرة. وتوضح الرسائل أنه بحلول أكتوبر تشرين الأول 2017 شهدت شركة لوفتهانزا تقشر الطلاء في بعض الأماكن تجاوزت مساحة بعضها المتر المربع. وقالت لوفتهانزا إنه تم تصحيح عيوب شكلية مما يظهر بين الحين والآخر وإن سلامة الطائرات لم تتأثر بأي حال من الأحوال.


تثبيت الطلاء

لعب الطلاء دورا رئيسيا على صعيد العلامات التجارية المميزة وعلى الصعيد الدبلوماسي في عصر الطائرات بإبراز صورة شركات الطيران والدول في مختلف أنحاء العالم. غير أن التحول إلى الطائرات الجديدة الأخف وزنا جلب معه مشكلة.

فعندما أطلقت إيرباص قبل 15 عاما الطائرة ايه350 اختارت الاقتداء بطائرة بوينغ الجديدة 787 في استخدام ألياف الكربون بدلا من المعادن. ويقول خبراء إن الطائرات الأخف وزنا تستهلك وقودا أقل غير أن تجميلها بطريقة تثبّت الطلاء أصعب.

وتحتاج الطائرات الجديدة أيضا طبقة من الشباك المعدنية لتبديد أثر الصواعق لأن ألياف الكربون ليست موصلا جيدا. وأخيرا فإن الكربون على النقيض من المعادن لا يتمدد ولا ينكمش مع تغير درجات الحرارة. غير أن الطلاء يتمدد وينكمش الأمر الذي يؤدي إلى شد وجذب بين جسم الطائرة والطلاء وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تقشر الطلاء بمرور الوقت.

وتشير المشاكل التي أبلغت عنها الخطوط الجوية القطرية وبعض الشركات الأخرى التي تشغل الطائرة ايه350 إلى أن هذا التطور يحدث قبل الأوان وذلك وفقا لما قاله مصدران مطلعان على تصميم الطائرة.


أضاف المصدران أن المشكلة ربما تتفاقم بصفة خاصة لضعف التصاق الطلاء بالمسامير المصنوعة من التيتانيوم. وأثار بعض خبراء الصناعة تساؤلات عما إذا كانت عيوب تصنيع أخرى قد ساهمت في هذه المشكلة.


تآكل الشبكة المعدنية

ويبدو أن صورا قدمتها الخطوط الجوية الفنلندية على لوح الرسائل في 2019 واطلعت عليها رويترز تُظهر تآكل أو اختفاء الشبكة المعدنية. وامتنعت الخطوط الفنلندية وإيرباص عن التعليق على الصور غير أن مسؤولين في إيرباص قالوا إن هذه المشكلة بالذات ربما نجمت عن مشكلة ظهرت في بدايات الإنتاج وتم حلها فيما بعد.

وقال ميجل انجيل لوركا سانث كبير مهندسي الطائرة ايه350 عن مشكلة الطلاء العامة "لم نشهد أي أثر على هيكل الطائرة ومازالت الشركات التي تشغلها تطير بها بمستويات عالية من موثوقية التشغيل".

وأضاف في مقابلة "هذه لا تؤثر على الإطلاق على الحماية من الصواعق بسبب الهوامش الكبيرة (الخاصة بالسلامة) ... المسألة لا تتعلق على الإطلاق بصلاحية الطائرة للطيران".

ومع ذلك فقد قالت مصادر بصناعة الطائرات إن إيرباص تدرس تحديث نظام الحماية من الصواعق بمادة أكثر مرونة. وأكدت إيرباص إن هذه المادة أحد الخيارات التي يجري بحثها.


لكن تستمر حرب الكلمات على الطائرات الرابضة على الأرض ونوافذها مغطاة في قطر. وتبين صور حصلت عليها رويترز ظهور شقوق في الطلاء أو اختفاءه وانكشاف وسائل الحماية من الصواعق أو تآكلها في طائرتين على الأقل.

والآن يتعين على السلطات التنظيمية أن تحاول كسر جمود حول ما إذا كان هذا النوع من التلف، تنطبق عليه الهوامش المسموح بها في التعامل مع الصواعق التي تصر إيرباص إنها ستمر بسلام. وربما يحدد ذلك ما إذا كان من الممكن تفعيل بنود التعويض.


وفي حين أن الهيئات التنظيمية الأوروبية قالت إنه لا يوجد دليل على وجود مخاطر على السلامة، تواصل قطر إجراء تحليل أعمق ولا تُبدي أي بادرة على التراجع.


المصدر

تعليقات