طائرة المستقبل ... تغوص وتحلق



الحديث هنا ليس عن آخر أفلام جيمس بوند ولا عن آخر أفلام هوليوود الخيالية.. بل هو عن مبادرة حقيقية لثورة جو مائية حقيقية؛ إنها الطائرة – الغواصة أو الغواصة – الطائرة، فأيا كان اسمها فالمعنى واحد. هذه هي آخر التقنيات التكنولوجية التي كشف عنها النقاب أخيرا بواسطة وكالة الأبحاث الدفاعية المتقدمة – DARPA (داربا)، التي تخطط لبناء جيل من الطائرات القادرة على الغوص والتحليق معا للأغراض العسكرية البحتة. إنها بالفعل طائرة أغرب من الخيال.


ولدت فكرة بناء طائرات قادرة على التحليق والغوص تحت سطح الماء خلال الحرب العالمية الثانية لدى السوفييت الذين وضعوا تصميما لطائرة ذات دفع مروحي مكبسي آنذاك قادرة على التحليق بسرعة قصوى تصل إلى 300 كلم/ساعة تقريبا، ومن ثم يمكن أن تغوص إلى عمق ضحل (غير عميق) تحت الماء وبسرعة تصل إلى 6 كلم / ساعة (3 عقد)، لكن هذا التصميم لم ير النور أبدا. وكان الدافع وراء ذلك هو ما للغواصات الصغيرة من دور كبير في تدمير سفن السطح المعادية رغم بدائيتها وصغر حجمها آنذاك، لكن محدودية مداها الذي يقتصر على بضعة كيلومترات من الهدف، دفعت الأطراف المتنازعة، وعلى رأسها السوفييت، إلى دمج قدرات الطائرة على التحليق والمناورة والاختراق خلف خطوط العدو مع قدرات الغواصة على الاختفاء والتملص من العدو والمباغتة.


الطائرة الغواصة في الخيال والسينما

تناول العديد من البرامج والروايات والقصص والأفلام السينمائية موضوع الطائرة – الغواصة أو الغواصة – الطائرة، ولعل أشهرها على المستوى المحلي المسلسل الكارتوني المدبلج إلى العربية «الغواصة الزرقاء»، الذي يتحدث عن غواصة عملاقة تتحول الى حاملة طائرات، ومن ثم مركبة فضائية ضخمة لردع الغزاة بعد اجراء التعديلات عليها لذلك. وهناك ألعاب فيديو كثيرة على نفس المنوال، ومسلسلات كـ«رحلة إلى قاع البحر» و«أتراغون».


أهمية إستراتيجية

يمكن طائرة قادرة على الغوص تحت سطح الماء أن تنفذ عمليات خاصة داخل المياه الإقليمية للعدو أو عملية إنزال قوات خاصة داخل المسطحات المائية له، كالبحيرات أو الأنهار، والبقاء تحت الماء من دون اكتشافها والعودة مرة أخرى بها من دون أن يعرف العدو، والتحليق على ارتفاع بالغ الانخفاض لتجنب الكشف بواسطة الرادار.


تحديات تصميمية

من المعروف أن هناك اختلافاً كلياً ما بين كثافتي الهواء والماء، وأن الماء ذو كثافة عالية جدا ومقاومته أكبر من تلك التي للهواء، ناهيك بالخواص الفيزيائية الأخرى. وهذا بحد ذاته يجعل من عملية صنع طائرة – غواصة أو العكس غاية في الصعوبة والتحدي، إذ إن هناك ست عقبات هي القدرة على الطفو فوق سطح الماء، والقدرة على التحكم والثبات في الوسطين (تحت الماء وفي الجو)، وملاءمة كابينة الركاب والطاقم لإعاشتهم، ونوعية المعدن الذي تصنع منه المركبة، وتوافر المعدات المناسبة، وأخيرا قابليتها لأداء المهام المنوطة بها. تلك أهم النقاط التي لم تسمح لمثل هذا المشروع أن ير النور قبل 50 عاما.


تكنولوجيا واعدة

مع التطور الكبير في التكنولوجيا والتطبيقات العملية المتقدمة صار من الممكن النجاح في صنع مركبة جوية – غواصة. فمع نظام التحكم المرتبط بالإشارات الكهربائية، والكمبيوترات الفائقة السرعة والقدرة، صار من الممكن صنع مركبات، سواء كانت جوية أو برية أو بحرية، ذات قدرات فائقة على التحكم والمرونة. ولعل النجاح الباهر في صنع المركبات الفضائية المدارية والمحطة الفضائية الدولية قد ساهم في تطوير قمرات أكثر سلامة وصحة وراحة تلائم جميع الأطقم والركاب في جميع الظروف. ومع معدن التيتانيوم باتت الطائرات والغواصات تنتفع من هذا المعدن الصلب والخفيف والمقاوم للضغط والحرارة معا. كل ما سبق يمكنه أن يدمج لتتمخض عنه مركبة جوية قادرة على الغوص وتنفيذ مهام لم تكن ممكنة في السابق. أما إذا تم دمج تكنولوجيا الطوربيد ذي الفقاعة، فإن ذلك سيعطي الطائرة – الغواصة قدرة على الغوص تحت الماء بسرعات توازي سرعات التحليق التي قد تصل إلى مئات الكيلومترات في الساعة، حيث ستساهم ظاهرة «التكهف الفائق» أو Super cavitations، وهي إحدى ظواهر ميكانيكا السوائل، في توليد فقاعة حول سطوحها، مما سيمكنها من التحرك تحت الماء بسرعات عالية جدا.


غواصات فـضائية !

إذا ما تقدمت تكنولوجيا ما يعرف بمضادات الجاذبية أو Anti-Gravity، فإن مركبات جوية ثورية في الطريق إلينا، وأطباق طائرة أشبه بأفلام الخيال العلمي. وبالطبع إذا ما أدخلت تلك التقنية إلى الغواصات فإن مفهوم «الغواصة الزرقاء» كما في المسلسل الكارتوني السابق سيطبق، وقد نرى غواصات على شكل مركبات فضائية غريبة تخرج من الماء لترتفع في الجو، ومن ثم تنطلق إلى الفضاء لتنفيذ مهام إستراتيجية ضخمة، ومن يدري؟! فربما ستنطلق معها الحرب الكونية الثالثة بين الشعوب.

_________________________________منقول عن القبس___

تعليقات