تحية لكم أخوتي
سأبدأ من خلال هذه الإدراجات الحديث عن تجربتي مع الطائرات، وأخصص صيانة الطائرات. فلم يكن يدر بخلدي ذات يوم أن أقوم على صيانة طائرةٍ ما أو محرك.
فحتى الثانوية كانت جل اهتماماتي منصبة حول الجانب الأدبي، ولم أفلح بالدخول إلى ثانية أدبي تحت ضغط الأسرة فتوجهت للعلمي، وقبل امتحانات الشهادة الثانوية، وُزعت علينا استمارات التنسيب لملئها -بأقلام الحبر السائل-، وفي خانة الكليات والجامعات وضعت بالترايب: الطب- الأسنان- الهندسة- التقنية، وعندما استغرب صديقي أجبته:
- أنا أعرف نفسي، سوف لن أحصل على النسبة التي تمكنني من دخول لا الطب ولا الأسنان، لذا ستكون الهندسة جاهزة لاستقبالي، وفي أسوأ الأحوال التقنية.
وهكذا وجدت اسمي ضمن المنسبين لكلية الهندسة، العام الدراسي 90-91. وفي كلية الهندسة مرت الفصول الثلاث الأولى سريعا، وكان علينا الاختيار من بين 13 تخصصا تحتوي كلية الهندسة (جامعة الفاتح).
عندما استلمت قائمة الأقسام، أول ما قمت بفعله هو وضع الأقسام: الكهربائية- النووية- النفط-الكيميائية، أسفل القائمة، وفي أعلها وضعت: الطيران- الميكانيكا- العمارة.
حلم الطيران لم يراودني قبلاً إلا وأنا صغير مشتركا بذلك وباقي الأطفال، لكن حال دخولي الهندسة، كانت أمي تدفعني للعمارة وأبي يشدني للميكانيكا، وظهر خالي فجأة ليزرع في رأسي الطيران. وهذا ما كان، الطيران. وحتى عندما ظهر اسمي منسبا للقسم، كان لابد من إجراء امتحان قبول، كون القسم لا يستوعب الـ25 طالباً الذين اختاروه. وهكذا وزعت علينا أسئلة الامتحان، وهي خليط من الرياضيات والفيزياء والمعلومات العامة عن الطيران. وظهرت النتيجة لتقول إني فزت الترتيب الثاني لامتحان الدخول لقسم هندسة الطيران.
خمس سنوات مرت، تكلمنا فيها عن الطيران والطائرات، ونظريات الطيران والأحمال والموجات الصدمية والإنشائية والكثير من القوانين. لكن هذه الأشياء وجدتها تقف عاجزة أمام أول يوم لي في مطار طرابلس.
تخرجت من كلية الهندسة خريف الـ1996، وبتوفيق الله تحصلت على فرصة لأداء الخدمة الوطنية (الإنتاجية) بشركة النقل الجوي الخفيف بمطار طرابلس. وكانت هذه الشركة نشأت عن نادي الطيران، وتعمل في النقل الخفيف وخدمات الحقول، وكانت كما يقال (مدرسة) ففيها تعلمت الكثير وأدين لها بالفضل ولكل الفنيين والمهندسين الذي شملتني عنايتهم ورعايتهم.
عندما وصلت حظيرة الصيانة مصطحبا أوراقي، تفاجأت من حجم العمل فيه، الكل كان يعمل، الكل كان صامتاً، وفجأة استمعت إلي اسمي، التفتت.
كان أحد الأصدقاء موجوداً بالمكان، وكان تخرج العام الذي قبلي، سألت:
- أتعمل هنا.
- لا، أنا أعمل بهيئة الطيران المدني، وأنت ما الذي تفعله هنا.
- أنا تم تنسيبي من مكتب الخدمة الوطنية هنا.
- ممتاز، ولن تجد أفضل من هذا المكان، تعالى أوصلك لمكتب الإدارة.
رحب بي موظف الإدارة واستلم أوراقي وطلب من المهندس المشرف (Chief) استلامي وتعريفي على بقية الشباب –كما قال-، ونحن ننزل درجات السلم سألني المهندس:
- خريج السبيعة؟
- لا، كلية الهندسة.
زم شفتية وأردف:
- قد لا ترغب بالعمل في الهنجر، لكن لو أردت هناك قسم التخطيط، وفيه مجموعة من المهندسية المتخرجين من الجامعة، لو أحببت يمكنك الانضمام إليهم.
توقفنا عن نهاية الدرج، نظرت إليه، لم أكن أعرف ما أقول، تبعته حتى توقفنا في منتصف الحظيرة، قلت:
- وهل يمكنني العمل هنا.
- ما فيش مشكلة، لكن أنت خريج كلية هندسة، يعني قدر لا تحب أن تختلط يديك بالوقود أو الزيت.
بإصرار أجبت:
- لا، أنا اللي ماعنديش مشكلة، المكان جيد وأحب العمل بيدي.
- خلاص.
ونادى على أحد المهندسين، الذي خرج علينا من أحد الطائرات، وقال:
- هذا مهندس جديد، خدمة وطنية وخريج كلية الهندسة، خليه معاك. ولما تروحو خليه يوريك الحوش باش تخطموا عليه الصبح.
- مالك ومال تلبيز (توسيخ) اليدين، خليتك في مكتب أريحلك.
صمتت أمام تعليق المهندس، ودخل هو الطائرة، وظللت بالخارج، حتى سمعته:
- شن الاسم الكريم.
- رامز.
وكان أول الدروس التي تعلمتها من هذا المهندس:
- لا تخف من السؤال؟
السؤال مفتاح المعرفة.
وللحديث بقية......
تعليقات
سرد رائع و بصدق و كاني اقرا في رواية...
في انتظار بقية القصة , فرحلة نجاح انسان قد تكون حافز لغيره..
بالتوفيق...
وتمنياتي بالتوفيق
(ماللك ومال تلبيز اليدين خليتك في شغل المكاتب احسنلك)
انتظر البقية