دراما جوية اسمها إيرباص 330


علي محمد الهاشم

عن صحيفة القبس_ العدد: 13282 – 21/05/2010

لم يمض عام على سقوط «الفرنسية» حتى تبعتها «الأفريقية».. فما الأسباب؟

لم يمض عام واحد على التحطم الغامض لطائرة إيرباص 330 - 200 الفرنسية، حتى يتبعها تحطم دموي ثان هي الأفريقية. لكن في الحادثة الأخيرة، نجا راكب واحد هو طفل هولندي، بينما لم ينج من الأولى أحد، ولا يزال البحث جاريا في أعماق المحيط الأطلسي للكشف عن غموض تلك الحادثة البشعة. إن الذي يدعو للتساؤل هنا.. هو أن تكون الحادثتان رغم اختلاف أحداثهما هي للنوع نفسه من الطائرات، الذي يعد من أنجح وأكثرها رواجا في العالم. فما الذي أدى الى تحطم طائرة شركة طيران الأفريقية الليبية من نوع إيرباص 330 - 200؟ وهل هناك عيب فني أم صناعي في تلك الطائرة؟

مع بداية التحقيقات بشأن ملابسات تحطم طائرة إيرباص الليبية، رجح خبراء طيران أن يكون الحادث قد وقع نتيجة ارتطام الطائرة بالأرض على بعد مئات الأمتار عن مدرج الهبوط وفي ظروف جوية لا تتعدى الرؤية فيها خمسة إلى ستة كيلو مترات، وأن انخفاض الرؤية الناجم عن الضباب والتراب شكلا ظروفاً جوية سيئة للهبوط ربما ساهم في تحطم الطائرة الليبية التابعة لشركة طيران «الافريقية» أثناء محاولة الهبوط في مطار طرابلس الأسبوع الماضي وأدى لمقتل جميع الركاب باستثناء طفل. وكانت الطائرة، وهي من طرازا «إيرباص 330 - 200 A» قد اقتربت من وجهتها في نهاية رحلة من «جوهانسبيرغ» بجنوب أفريقيا، استغرقت تسع ساعات، عندما تحطمت أثناء الهبوط، ما أدى الى ارتطام الطائرة بعنف بالأرض قبل أن تصل إلى المدرج، وهو ما يفسر الحطام المفتت والأضرار التي لحقت بذيل الطائرة. وذكر خبراء أن المطار يفتقر إلى المجسّات التي عادة ما تخبر الطيار بالمسافة التي تفصله عن أرضية المدرج. وقالوا إن احتمالات وقوع حوادث في هذه الحالات يعتبر أكبر من سوء تقدير الطيارين للمسافة المتبقية للهبوط. بينما استبعد وزير النقل الليبي محمد زيدان أن يكون سبب الحادث عملا إرهابيا.

اقتراب غير مألوف

تبين المعلومات الأولية للحادث أن عملية الاقتراب للطائرة التابعة لشركة الخطوط الجوية الأفريقية ليست سليمة، وذلك لحجم الدمار الذي خلفه سقوط الطائرة. إن عملية الارتطام الناجمة عن هبوط طائرة على سطح مستوٍ لا تخلف هذا الكم من الحطام المتناثر هنا وهناك ومثال على ذلك حادث سقوط طائرة البوينغ 737 - 800 التركية بالقرب من مدرج مطار «سكيبول» بأمستردام، والتي رغم تحطمها قبيل الهبوط على المدرج لم تتناثر قطعا صغيرة كالطائرة التابعة لشركة طيران الأفريقية، لكن البوينغ التركية لم تكن مقتربة بسرعة عالية، بل بطيئة وهذا قد يعزز فرضية أن تكون الطائرة الليبية لطيران الأفريقية كانت في هبوط سريع جدا وربما ارتفاع أعلى من تلك التي للتركية، وهذا يؤدي في الغالب إلى ارتطام ذي طاقة عالية وشديدة يُنتج عنها تناثرا للحطام بقطع صغيرة، أما الذيل فهو لا ينال حجما كبيرا من ذلك التناثر كون وضعيته العمودية ووجوده في مؤخرة البدن.

مخاطر عملية الهبوط

تصنف حوادث الاقتراب والهبوط، على أنها أحد أكثر الحوادث شيوعا في الطيران، حيث تبلغ نسبتها %55 لمعدل تحطم بدن الطائرة في حين تبلغ نسبتها %50 في معدل الضحايا من الركاب. ان معدل الحوادث التي تقع بسبب عمليات الاقتراب غير الدقيقة أعلى من تلك التي تحدث في عمليات اقتراب دقيقة من الناحية الإحصائية. حيث دلت الإحصائيات على أن عملية الاقتراب قد لا تتجاوز %4 من زمن الرحلة الجوية، بدءا من منارة الإرشاد الخارجيةOUTER MARKER وحتى المدرج، لكنها مسؤولة عن %45 من تضرر أو تحطم بدن الطائرة عند الحوادث.

مبادرة الحد من حوادث الاقتراب والهبوط

إن جهود تحسين مستوى السلامة في الملاحة الجوية والطيران مستمرة رغم الحوادث الاخيرة، ومن أهم تلك الجهود ما يعرف بمبادرة الحد من حوادث الاقتراب والهبوط للطائرات أو ما تعرف اختصارا ALAR، وهي ترمز إلى -Approach-and-Landing Accident Reduction ويشترك في هذه المبادرة كل من صناع الطائرات كإيرباص وبوينغ، إلى جانب شركات الطيران والناقلات الجوية، إضافة إلى سلطات الطيران المدني الدولية مع كل من المؤسسات والأطراف التي لها علاقة بالنقل الجوي. وتركز هذه المبادرة على تعزيز تدريب الطيارين وإدارة عمليات الرحلة الجوية والتعاون في ما بين أفراد الطاقم، خصوصا طاقم القيادة من الطيارين، وتعزيز دور النشرات الدورية للطيران المدني في ما يتعلق بمعلومات المدارج والمهابط وأنماط الاقتراب لها وغيرها من المعلومات الملاحية المهمة.

الطائرة والطاقم الطائر

تعتبر طائرة إيرباص 330 بفئاتها وأحجامها المختلفة من فئة البدن العريض ذي الممرين والمحركين من أحدث وأنجح طائرات الركاب وأكثرها رواجا ومبيعا في الوقت الحالي، فقد انتج أكثر من 600 طائرة منها ولا يزال الطلب عليها شديدا، خصوصا مع تأخر تسليم طائرات البوينغ 787 الحديثة والمنافسة الرئيسية لها. وقد طار النموذج الأول لها في عام 1992 ودخلت الخدمة الفعلية في عام 1994، لكن بعد ان حطم احد نماذجها أثناء الاختبارات قبل ذلك بقليل، وزودت بأنظمة تكنولوجية متطورة وبنظام للسيطرة على الطيران يمنع الطيار من تجاوز حدود الطيران القصوى وانهيار الطائرة بما يعرف بنظام محتوى التحليق أو الطيران والذي يستمد قوته من نظام الطيران بالأوامر الكهربائية الملحق بأجهزة كمبيوتر فائقة الذكاء F-B-W. لكن تلك الأنظمة تساند الطيار ولا تمنعه من تحطيم الطائرة إذا ما تعمد ارتطامها بالأرض على سبيل المثال أو الموانع الأرضية الطبيعية منها أو الصناعية، كالجبال والمباني، وبالتالي فإن العنصر البشري قد يبرز في حادثة تحطم طائرة الإيرباص 330 التابعة لشركة طيران الافريقية، كعامل أساسي لذلك، خصوصا أن ما نسبته من الحوادث الجوية حتى هذه اللحظة تقدر بــ %85 وهو ما قد يكون الإرهاق والتقدير الخاطئ وضعف الرؤية نتيجة ضوء الشمس الساطع عند الشروق، العوامل التي أدت الى تحطمها الأشبه بإصابة صاروخ مضاد للطائرات.

أبرز الحوادث الجوية لطائرة إيرباص 330

1 - 30 يونيو 1994 - تحطم النموذج الاختباري لطائرة إيرباص 330 - 300 ومقتل جميع الطاقم.

2 - 24 أغسطس 2001 - هبوط اضطراري لإيرباص 330 - 200 تابعة لشركة طيران «إير ترانسات» بعد تحليق شراعي من دون قوة دافعة بعد استنزاف وقود المحركات وتسربه منها أثناء التحليق ولم ينجم عنه أي خسائر في الأرواح.

3 - 7 أكتوبر 2008 - هبوط اضطراري لطائرة تابعة لشركة «كوانتاس» الأسترالية بعد دخولها بمطبات هوائية واضطراب لمعطيات نظام الكمبيوتر الخاص بالتحكم في الطيران ولم تنتج عنه أي خسائر في الأرواح.

4 - 1 يونيو 2009 - تحطم طائرة تابعة لشركة «إيرفرانس» الفرنسية في المحيط الهادي في ظروف غامضة ومقتل جميع من كانوا عليها.

5 - 13 أبريل 2010 - هبوط طائرة شركة «كاثي باسيفيك» بعد تعطل محركيها ولم تنتج عنه أي خسائر بشرية.

6 - 12 مايو 2010 - تحطم طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الافريقية الليبية ومقتل جميع من كانوا عليها، عدا طفل هولندي واحد هو الناجي الوحيد منها.

المخاطر الخمسة المرافقة لهبوط الطائرة

هناك خمس حالات مسؤولة عما نسبته %75 من حوادث الطائرات عند عملية الهبوط والاقتراب من المدرج، وهي:

الارتطام بالتضاريس والموانع الأرضية أو بالأرض قبل المدرج CFIT.

فقدان التحكم بالطائرة نتيجة لخلل في المحركات أو في أنظمة السيطرة على الطيران.

تجاوز المدرج.

الخروج عن المدرج.

الاقتراب المضطرب أو غير السوي من مدرج الهبوط.

alhashim_aviation@yahoo.com

تعليقات