كيف سيؤثر هبوط معدل ارتفاع السحب في المسارات
الجوية؟
الطائرة في مواجهة الغيوم
السحب أبرز التحديات للطائرة منذ البداية
كشفت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) NASA حديثا عن تغير مناخي خطر، تمثل في رصد هبوط في معدل ارتفاع طبقة الغيوم
ما بين 30 إلى 40 مترا (100 إلى 130 قدما)، خلال السنوات العشر الماضية؛ وهي ظاهرة
غريبة ومحيرة من ناحية التفسير، حيث قد يكون ذلك نتيجة الاحتباس الحراري الحاصل حاليا.
إلا أن ما يهمنا في هذا الخصوص هو مدى تأثير هذه الظاهرة على الملاحة الجوية، وكيف
يمكن التعامل معها في المستقبل؟ لكن قبل ذلك لا بد لنا أن نلقي نظرة على طبيعة الطقس
ونوعية الغيوم في الجو.
السحب.. وما أدراك ما تخفيه السحب من مفاجآت
وأخطار للملاحة الجوية، إنها تحيط بالعالم أجمع وتكاد تغلف الكرة الأرضية؛ وللسحب تأثير
بالغ على عمليات الطيران عموما، خصوصا اذا كانت من النوع المنخفض، أما اخطرها فهو الذي
يلقب بالسحب الركامية أو الكيوميولينبس Cumulonimbus لذا من
الاسلم في اغلب الاحيان ان يتحاشى الطيارون ولوج ذلك النوع من السحاب المعروف اختصارا
CB حيث تعظم احتمالات الخطر فيها.
غضب السحب
من أشد العوامل الجوية خطورة على سلامة
الملاحة الجوية العواصف الرعدية التي تكون مصاحبة لكتل من السحب الركامية؛ حيث تحدث
فيها اضطرابات هوائية نتيجة تحرك التيارات الهوائية بسرعات مختلفة في مسافات قصيرة
(حيز ضيق) وتؤدي الى اهتزاز الطائرة نتيجة المطبات الهوائية العنيفة التي تسبب بدورها
تيارات حمل هوائية في الارتفاعات المنخفصة، وهي تيارات عمودية صاعدة وأخرى هابطة تكون
شديدة تؤدي الى تكون ما يعرف بظاهرة المقصات الهوائية او ما يعرف باسم Wind Shear ؛ والمقصات الهوائية هي من أشد الظواهر الجوية فتكا بالطائرات وقليلا ما
تنجو منها، حيث تتسبب في انقطاع الرفع Lift من على
الجناح، وكذلك الدفع Thrust من المحركات وبالتالي تصبح الطائرة
عبارة عن كومة من المعادن في حالة سقوط حر وليس سطحا ايروديناميكيا رافعا كما هو مفترض،
لذلك يعمد الطيارون إلى تجنبها قدر الإمكان.
المقصات الهوائية
تحدث عادة اثناء العواصف الرعدية الشديدة،
الا انها قد تحدث ايضا رغم خلو الجو من اي عواصف نشطة ايضا، وهي ظاهرة يكون فيها تغيير
الهواء المحاذي لسطح الارض اتجاهه بسرعة شديدة مما يؤدي الى تيارين باتجاهين متضادين،
وبالتالي تسبب حوادث للطائرات في مرحلة الاقلاع والهبوط الحرجتين، وقد القي باللائمة
على المقصات الهوائية في 28 حادثا للطيران التجاري منذ عام 1964، ونتج عن ثلاثة حوادث
مقتل ما يزيد على 400 شخص، وتحمل الطائرات اجهزة لقياس سرعة الهواء ورادارات تكشف عن
تلك المقصات الهوائية الخطرة قبل دخول الطائرة فيها، الا ان هناك اجهزة بدأت بدخول
الخدمة اكثر تطورا تعمل بالليزر والنبضات الدبلرية.
أنواع أخرى من الغيوم
هناك العديد من الظواهر الجوية على الارتفاعات
العالية، فمثلا هناك نوع معين من الغيوم يطلق عليه سيروس Cirrus، وهو سحاب رقيق كأنه
ريشة عملاقة، تتكون من جسيمات ثلجية، وعلى الرغم من انها قد لا تؤذي الطائرات الا انها
احيانا قد تتضمن اضطرابات هوائية (مطبات) عنيفة مزعجة او بما يعرف بالكات Cat او Clear Air Turbulence، اي مطبات هوائية
غير مرئية تنتج عن اصطدام طبقة هوائية دافئة باخرى باردة عن طريق الجيت ستريمز، التيارات
الهوائية المتدفقة او النفاثة، وكثيرا ما يلاحظ الركاب على الرغم من صفاء الجو حدوث
اضطرابات في ثبات الطائرة يكون سببه في العادة نتيجة المرور بتلك الغيوم.
مخاطر الجليد
يعتبر تكون الغطاء الجليدي على الطائرات
من ابرز المخاطر التي تهدد الطيران، فالغطاء الجليدي يزيد من وزن الطائرات ويقلل من
فعاليتها ويخفض من قدرتها على الاقلاع، كما يهدد بتعطيل المحركات، وهناك خطر تكون الجليد
الشفاف، الذي يعتبر من أشد الأنواع خطورة لصعوبة ازالته عن جسم الطائرة، لذلك تم اعتماد
العديد من أنظمة تذويب الثلوج في ابدان الطائرات، خصوصا في الحواف الامامية للأجنحة،
أما الخطر الآخر الذي ينجم عن تراكم الثلوج فهو عند تراكمها على اجهزة القياس للسرعة
والملاحة التي تحملها الطائرات خارجيا، وتخفي بعض السحب مخاطر تتعلق بهذا المنوال.
لماذا نحلق على ارتفاع السحب؟
تطير طائرات النقل الجوي التجارية عادة
في الارتفاعات العالية، اي ما بين ارتفاعي 29 الف قدم و50 الف قدم (غالبا لا يتم تجاوز
45 الف قدم)، وغالبا ما تكون عملية التحليق خلالها في خط مستقيم على تلك الارتفاعات،
في طبقة جوية تسمى التروبوبوز Tropopause، وهي الطبقة الانتقالية
ما بين طبقتي التروبوسفير السفلى الملاصقة لسطح الارض، وما بين طبقة الستراتوسفير العليا.
ومن المعروف ان للغلاف الجوي للارض اربع طبقات (التروبوسفير والستراتوسفير والميزوسفير
والثرموسفير)، وطبقة التروبوبوز هذه يتفاوت ارتفاعها فوق خط الاستواء (65 الف قدم)،
بينما هي اقل علوا على القطبين، حيث يبلغ ارتفاعها 20 الف قدم، لكن الفريد في هذه الطبقة
هو ثبات درجة الحرارة تقريبا عند 56.5 درجة تحت الصفر، وهو ما يجعل من الطيران خلالها
بالنسبة لكفاءة المحركات امرا غاية في الاهمية، حيث ان درجة الحرارة المتدنية تلك لا
تنهك المحركات، بل تجعلها تعمل بكل كفاءة واقتصادية وهي تزخر بوجود السحب بكثافة، لهذا
يتم التحليق خلالها.
تحديد المسالك الجوية
من الامور المعقدة في مجال الطيران في هذا
الوقت، هو التخطيط للرحلات الجوية البعيدة المدى من دون توقف، التي باتت في ازدياد
هذه الايام، خصوصا مع ظهور طائرات متطورة وحديثة قادرة على الطيران بكفاءة واقتصادية
عالية من دون نقطة توقف في الوسط لاعادة التزود بالوقود، ومثال على تلك الطائرات البوينغ
الحديثة B777- 200 LR.
ان عوامل الطقس الجوي، سواء تلك التي على
سطح الارض ام تلك التي في الارتفاعات العالية، تحدد مجرى الملاحة الجوية بالنسبة للطائرات،
ومن الضروري جداً، لضمان انجاز الرحلة الجوية وقبل القيام ببناء خط جوي ما، يتم عمل
اجراءات اساسية معينة، مثل الترخيص بالطيران على مثل هذا الخط الجوي المقترح، وتحديد
نوع الطائرات المراد استخدامها على مثل هذا الخط ، وهذا يساعد في اختيار المسار الجوي
الامثل، خصوصا من حيث معدلات حالة الطقس الجوي الاحصائية، التي يتم الحصول عليها من
قبل هيئة الارصاد الجوية للدولة التي يمر من خلالها الخط الجوي المزمع انشاؤه، وحتى
يتم تقدير حمولات الوقود الدنيا في كل مرحلة، فاذا كانت النتائج مرضية بالنسبة للادارة
التجارية في الطيران المدني، يتم بعدها تقدير التكلفة والربحية الحقيقية لذلك الخط
ومن ثم الحصول على الموافقة الرسمية للمسار الجوي.
العين الخارقة
مع دخول طائرة بوينغ 787 دريملاينر الجديدة
إلى الخدمة اخيرا فان نوعا جديدا وعهدا مختلفا من رادارات الطقس قد بدأ معها؛ فهذه
الطائرة زودت بأحدث رادار للطقس تزود به طائرة ركاب في العالم. يعتبر رادار «MULTI SCAN 2100» المشتق من رادار APS-150 المستخدم
على طائرة الشحن العسكري C-17 والقادر على الكشف مسافة تتعدى
320 ميلا بحريا (600 كلم) وتحديد نوع الغيوم وتشكيلاتها أمام الطائرة وليس هذا وحسب،
بل رسم خط سير آمن للطائرة بحيث لا تضطر للولوج بها وتعريض طاقمها وركابها للخطر الناتج
عنها. إن هذا الجيل الجديد من رادارات الطقس ذات المسح التلقائي يمكنه أن يساهم في
الحد من مخاطر الغيوم والسحب الركامية.
تعليقات