البوينغ 787 في غرفة الإنعاش .. أعطال متفرقة تصيب أحدث طائرة ركاب بالشلل


فجأة، ومن دون سابق إنذار، توقفت أحدث طائرة ركاب بدأت في الدخول بالخدمة حديثا بالتوقف؛ وذلك بعد سلسلة أعطال متتالية طالت البدن وبعض الأجهزة الحيوية، الأمر الذي أثار قلق سلطات الطيران الفدرالية الأميركية الـFAA. لماذا حدث كل هذا؟ وكيف فات على أحد أكبر مصانع الطائرات وأعرقها على الإطلاق (بوينغ) مثل تلك الأعطال أثناء الاختبارات؟ في التحليل التالي سيتم التطرّق لأهم تلك الأعطال وطبيعتها، مع التركيز على أبرزها، وهو بطاريات «الليثيوم» مع إعطاء لمحة سريعة عن برنامج هذه الطائرة غير العادية، التي يفترض بها أن تكون الأحدث في القرن الحالي.


انطلق مشروع تطوير وتصنيع طائرة «787 دريملاينر» في أبريل 2004 بالتزامن مع طلبية قياسية من هذه الطائرة تقدّمت بها شركة «أول نيبون إيرويز». ومنذ ذلك الحين، تقدم 57 زبوناً من قارات العالم الست بطلبيات لشراء أكثر من 800 من هذه الطائرات بقيمة تقارب 162 مليار دولار أميركي، ما يجعل منها أكثر الطائرات التجارية الجديدة مزدوجة الممرات نجاحاً لدى إطلاق مشروعها في تاريخ شركة بوينغ. وافتتح مشروع تصنيع هذه الطائرة مصنعه الخاص بالتجميع النهائي في مدينة إيفيريت في مايو 2007، وقامت الطائرة برحلتها الاختبارية الأولى في 15 ديسمبر 2009. وتتعاون أكثر من 50 من أقدر شركات توريد المكوِّنات في العالم مع بوينغ؛ ولتدخل الخدمة بعد ذلك متأخرة ثلاث سنوات عن موعدها وذلك في 2011.

طائرة غير عادية
يكمن سر الأداء المتفوق لطائرة «787 دريملاينر» في مجموعة من التقنيات المتطورة الجديدة التي تم تطويرها خصيصاً لها وتزويدها بها. وتشكل المواد المُرَكَّبَة ما يصل إلى %50 من الهيكل الأساسي للطائرة، بما في ذلك بدنها وأجنحتها. ويتمحور التصميم الهندسي للطائرة حول الأنظمة العصرية، ليصبح أبسط من تصميم الطائرات العاملة حالياً، حيث إن عملية تصميم وتصنيع هذه الطائرة المتطورة، أضافا المزيد من التحسينات إلى كفاءتها. فقد تم تطوير تقنيات وأساليب تصنيعية جديدة لمساعدة بوينغ وشركائها من المورِّدين في تحقيق تلك المكاسب في مجال الكفاءة. وأسهم تصنيع بدن الطائرة من قطعة واحدة على سبيل المثال، في إلغاء الحاجة لاستخدام 1500 لوح من الألمنيوم، وما يتراوح بين 40000 و50000 قطعة تثبيت.

أعطال لم تكن بالحسبان
حينما دخلت البوينغ 787 دريملاينر إلى الخدمة عام 2011 مع شركة طيران ANA اليابانية بدا وكأن الأمور تسير وفق المتوقع بالنسبة للصانع والمستخدم، ومن ثم تسلمت شركات طيران النماذج خاصتها، إلا أن أعطالا طالت الطائرة تباعاً، حيث ضرب أول عطل في 4 ديسمبر من العام الماضي طائرة تابعة لشركة يونايتد إيرلاينز الأميركية اضطرها إلى الهبوط نتيجة لمشكلة في النظام الكهربائي للطائرة؛ ثم تلتها الخطوط الجوية القطرية في 13 من الشهر نفسه بالعطل نفسه، وفي 7 من يناير الجاري شب حريق في سببه تماس كهربائي على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية اليابانية بعد هبوطها مباشرة ولم يكد يمر يوم على هذا الحادث حتى حدث تسرب للوقود على متن طائرة أخرى للشركة نفسها في 8 من يناير قبيل الإقلاع مما تسبب في إلغاء الرحلة من بوسطن بالولايات المتحدة إلى طوكيو في اليابان. وفي اليوم الذي يليه أي في 9 من يناير ألغت شركة ANA اليابانية رحلة داخلية نتيجة لخلل في نظام الكوابح الخاص بطائرة بوينغ 787 أيضاً والذي يعمل هو الآخر كهربائياً، ولم يتوقف مسلسل الأعطال بل في 11 من يناير تعرضت بوينغ 787 للشركة نفسها إلى تصدع في أحد نوافذ قمرة القيادة مما اضطرها إلى الهبوط تلافياً لأي مخاطر في حين أبلغت طائرة للشركة نفسها أن هناك تسربا للزيت من أحد المولدات التابعة للمحرك أقعدها على الأرض لتختتم في 15 من يناير تلك الأعطال بحريق في احدى بطاريات الطائرة 787 بعد هبوطها مباشرة ليتوقف الأسطول بعد ذلك في 17 من يناير تماماً وتلتها الشركات الأخرى.

طائرة كهربائية
تنفيذا لمبادرة بوينغ نحو انتاج طائرة ذات كفاءة عالية واقتصادية غير مسبوقة تمخض عنها نموذج 787 دريملاينر اعتمدت بوينغ بناء بدن الدريملاينر كلياً من المواد المركبة خلافا لما كان دارجاً في ما مضى من استخدام معدن الألمنيوم، وعززت ذلك باستخدام مولدات للكهرباء تكفي لإمداد الطائرة بالطاقة اللازمة لإدارة أنظمة حيوية مثل نظام التكييف والإعاشة على متن الطائرة ونظام منع تكون الجليد إلى جانب الكوابح الخاصة بعجلات الهبوط بدلاً من اعتماد دورة الهواء المضغوط التي يعمل بها على جميع الطائرات الحالية وحتى طائرة إيرباص القادمة A350XWB المستمد من المحركات مما يجعلها تحرق وقوداً أكثر في حين خلايا الوقود أو بطاريات الليثيوم – أيون في البوينغ 787 تتكفل في كل ما سبق مما تجعل من محركات الطائرة اكثر كفاءة واقتصادية في حرق الوقود.

طبيعة الليثيوم
صنعت بطاريات طائرات دريملاينر من مادة «الليثيوم» وهي المادة ذاتها المستخدمة في صنع بطاريات الهواتف المتنقلة، حيث تتميز بخفتها الكبيرة في الوقت ذاته الذي تتميز بأداء قوي وفعال تعادل ضعفي أداء البطاريات العادية الأخرى. وتختلف طريقة عمل بطاريات «الليثيوم» عن الطريقة التي تعمل بها البطاريات الأخرى، حيث أن الأيونات بداخلها تقوم بامتصاص الطاقة من قطبي البطارية (كاثود وآنود)، في الوقت الذي تحوي فيه البطاريات الأخرى مواد أخرى تتفاعل مع بعضها بعضا لإنتاج الطاقة مثل مادة «النيكل» و«الباديوم» وغيرها، وهي مواد ثقيلة الوزن مقارنة مع الليثيوم. وتكمن المشكلة في بطاريات الليثيوم في كون هذه المادة غير مستقرة، خصوصاً عندما يتم مزجها مع عناصر أخرى لإنتاج الطاقة، الأمر الذي يؤدي إلى اشتعالها كنتيجة لارتفاع الحرارة العالية الناتجة عن تعريضها للشحن الكهربائي، تماماً كما حصل في حادثتين لطائرتي شحن كانتا تنقلان أجهزة كمبيوترات محمولة حينما اشتعلت إحداها فأدت إلى كارثتين جويتين احداها تلك التابعة لشركة UPS حينما اشتعلت النيران في قمرة الشحن التابعة لطائرة بوينغ 747 - 400 إف فور إقلاعها من مطار في دولة الإمارات.

أمر متوقع ولكن!
عموماً بعد أن استعرضنا جانباً من أزمة طائرة الأحلام البوينغ 787 دريملاينر ينبغي أن نستنتج أن ما حدث من أعطال متكررة «والبعض مختلفة» ليس إلا نتيجة لاستخدام أو بمعنى أدق تطبيق لتكنولوجيا حديثة وجديدة كلياً على مجال صناعة طائرات الركاب، فلا ننسى أن الكونكورد لم تتعرض لحادث مميت إلا بعد مرور أكثر من عقدين على دخولها إلى الخدمة، لكن التكنولوجيا الحديثة كما تتشعب في تعقيداتها، إلا انها في الوقت نفسه توجد الحلول لمثل تلك المشكلات والمسألة مسألة وقت لا أكثر حتى تعود طائرة البوينغ 787 إلى الربحية، لكن هذا مرهون بمصداقية المصنع.

تعليقات