نمو شركات طيران الشرق الأوسط يثير قلق منافسيها في العالم

هناك القليل ممن يشككون في طموحات شركات الطيران العملاقة في الشرق الأوسط، ولكن الطلبات الحديثة لاستيراد الطائرة العملاقة أثبتت إلى أي مدى تخطط تلك الشركات للمنافسة بقوة خلال السنوات المقبلة.


وتقوم شركات الطيران الثلاث؛ «الإمارات» و«الاتحاد» و«الخطوط الجوية القطرية»، التي تتركز جميعها في المنطقة نفسها من الخليج العربي، بالعمل على تشغيل عدد من الطائرات ذات الممرات المزدوجة أكبر من ذلك العدد الذي تسيره شركات الطيران الأميركية مجتمعة.

وفي الأسبوع الماضي في معرض دبي للطيران، أعلنت الشركات الثلاث عن خطط لشراء 350 طائرة طويلة المدى من طراز «بوينغ» و«إيرباص»، بطلبات تبلغ قيمتها رقما قياسيا.. 162 مليار دولار، ويستغرق تسليم تلك الطائرات فترة طويلة تمتد إلى 10 أعوام مقبلة.

وطلبت خطوط طيران الإمارات وحدها 150 طائرة من طراز «بوينغ 777الجديدة، مع إمكانية طلب 50 طائرة إضافية، فضلا عن طلب 50 طائرة من طراز «A380s إيرباص»، وهي أكبر طائرة ركاب على الإطلاق. وقد وُصفت تلك الصفقة بأنها «الصفقة الأكبر في تاريخ الطيران المدني حتى الآن»، وتبلغ قيمتها 99 مليار دولار، حسب أسعار الواردة بقائمة أسعار الشركة.

وقد أذهل حجم تلك الطلبات المراقبين في مجال الطيران؛ فقد قدمت رؤية لما سوف تكون عليه قدرة تلك الشركات في المستقبل، كما قللت كثيرا من أي شيء ربما تكون الخطوط الجوية الأميركية قد خططت له.

فقد قامت الخطوط الجوية الأميركية، على سبيل المثال، بطلب 600 طائرة خلال العقد المقبل لتحل محل أسطولها من الطائرات القديمة، ولكن الجزء الأكبر من تلك الصفقة من الطائرات ذات الممر الواحد التي ستعمل في السوق المحلية، وليست الطائرات ذات الممرين العملاقة العابرة للمحيطات.

وتُعتبر شركة طيران الإمارات، التي أُنشئت في عام 1985، وكانت تسير طائرة واحدة وقتها، المحرك الرئيس لهذا النمو، واضعة بذلك دبي على خريطة العالم، كواحدة من أكبر محاور النقل الجوي في العالم.

وتهدف شركة «طيران الإمارات»، التي حملت 39 مليون مسافر على متن طائراتها العام الماضي، إلى زيادة ذلك العدد إلى 70 مليون مسافر سنويا، بحلول عام 2020، حسبما قال رئيسها التنفيذي، تيم كلارك، الذي أضاف في خطاب له ألقاه الشهر الماضي، أن هذا سيجعل الإمارات أكبر شركة طيران من حيث عدد المسافرين الذين تنقلهم في شتى أنحاء المعمورة.

ويعلق ريتشارد أبو العافية، الذي يعمل محللا في مجال الطيران بمجموعة «تيل» في «فيرفاكس» بولاية فيرجينيا: «إنهم يطبقون استراتيجية بسيطة، وهي أنهم يريدون السيطرة على العالم».

وقد حققت شركة طيران الإمارات نجاحا كبير من خلال تسييرها رحلات جوية إلى البلدان النامية التي أهملتها شركات الطيران التقليدية، كما قدمت بديلا جيدا للشركات المحلية، وبالتالي سيرت رحلات تربط أوروبا بالهند وأفريقيا بروسيا والصين بالشرق الأوسط. وبدلا من الطيران من خلال خطوط الملاحة التقليدية مثل لندن أو فرانكفورت، فقد حولت الاهتمام إلى خطوط ملاحية جدية تمر بدبي، التي حولتها إلى محور عالمي ربط العالم بعضه ببعض.

وقد أشعل نجاح نموذج دبي حماس جيرانها الذين سعوا لنسخ ذلك النموذج في خطوط الطيران العالمية الخاصة بهم. ففي معرض دبي للطيران، قالت الخطوط الجوية القطرية إنها ستشتري 50 طائرة «بوينغ X777» الجديدة، التي ينبغي أن تكون متاحة للعمل بحلول عام 2020. أما شركة الاتحاد، ومقرها في أبوظبي، وهي أصغر شركات الطيران الثلاث، فقد طلبت 143 طائرة خلال المعرض، من بينها 30 طائرة «بوينغ s787» و50 طائرة «إيرباصA350s ».

وقد خلقت تلك الطموحات، التي أبدتها شركات الطيران الثلاث، موجة من المخاوف بين منافسيها، ففي الآونة الأخيرة، قالت نقابة الطيارين الأميركية، وهي أكبر اتحاد للطيارين في الولايات المتحدة، إن تلك الشركات تمثل «تهديدا اقتصاديا» لشركات الطيران الأميركية وموظفيها. وقالت مجموعة التجارية، خطوط طيران أميركا، إن شركات الطيران في الولايات المتحدة لا تستطيع أن تنافس الشركات التي تستفيد من الدعم الحكومي.

يقول أبو العافية: «أستطيع أن أتفهم الإحباط الذي تشعر به شركات الطيران العريقة، حيث ترى حصتها في السوق تأكلها شركات أخرى»، مشيرا إلى شركات، مثل «دلتا إيرلاينز» و«يونايتد إيرلاينز»، والشركة التي سوفت تظهر من اندماج «أميركان إيروايز» و«يو إس إيروايز». ويضيف أبو العافية أن «أفضل سيناريو بالنسبة لهم هو أن يذهب النمو عبر الخليج، بينما تبقى باقي الشركات لتتدبر أمرها في سوق يشهد حالة من الركود».

وفي حين يقول بعض المحللين إنه ربما يكون هناك مبالغة في تلك المخاوف، تبدو بعض شركات الطيران في الولايات المتحدة غير راغبة في المضي قدما في المنافسة، بعدما رأت كثيرا من الشركات الكبيرة، مثل الخطوط الجوية الفرنسية، و«لوفتهانزا» الألمانية والخطوط الجوية الهندية، وقد قضت عليها خطوط طيران الإمارات.

يضيف أبو العافية: «لقد رأوا شركات الطيران الآسيوية والأوروبية تنعى ماضيها التليد، والآن تقترب شركة طيران الإمارات وشركات الطيران الخليجية الأخرى من ديارهم».

وتسير شركة طيران الإمارات نحو 3200 رحلة أسبوعيا إلى 135 مدينة و76 بلدا. وقد بدأت في تسيير رحلات إلى 20 وجهة جديدة، منذ بداية العام الماضي، كما تخطط لإضافة رحلات جدية إلى العاصمة الغينية، كوناكري، وسيالكوت الباكستانية وكابل في أفغانستان، قبل نهاية العام الحالي.

يقول تيم كلارك، الرئيس التنفيذي لطيران الإمارات: «الحصول على لقب أكبر شركة طيران في العالم ليس في الحقيقة هو الغاية النهائية للشركة»، فقد كان هدفنا دائما هو ربط المسافرين من مختلف أنحاء العالم بدبي والوجهات الأخرى، عن طريق محطة واحدة، عبر محور الشركة». وتقوم شركة طيران الإمارات بتوسيع نشاطها في أميركا الشمالية حيث حققت نجاحات كبيرة في العام الماضي، من خلال تسيير رحلات جديدة من دبي إلى دالاس وسياتل وواشنطن. كما زادت أيضا عدد رحلاتها إلى نيويورك. كما تسير رحلات إلى هيوستن ولوس أنجليس وسان فرانسيسكو.

وبدأت الخطوط الجوية القطرية مؤخرا، التي انضمت إلى تحالف «وان وورلد» مع الخطوط الجوية الأميركية، في تسيير رحلات إلى شيكاغو من الدوحة.

كما أطلقت الشركة مؤخرا رحلة جديدة تربط بين مطار كيندي في نيويورك ومطار مالبينسا في ميلانو، التي تسمح للمسافرين من الولايات المتحدة بالسفر إلى أوروبا على «طيران الإمارات»، دون الحاجة للمرور بدبي. وتنظر شركات الطيران الأميركية بقلق إلى تلك الخطوة، التي يعتبرونها هجوما مباشرا على أسواقها. وقد رفع عدد من شركات الطيران، مثل «اليطاليا» و«خطوط دلتا الجوية»، قضايا في محاكم إيطالية ضد الشركة.

ويقول تقرير صدر مؤخرا عن «سي إيه بي إيه» (CAPA)، التي تعد مزودا دوليا رائدا للخدمات الاستشارية لشركات الطيران والمطارات والحكومات والهيئات التشريعية وهيئات السياحة والموردين، «لقد سببت الشركات الثلاث في إحداث حالة من الذعر»، في إشارة إلى شركات الطيران الخليجية الكبرى، مضيفا: «لا شك أنه بعد هذه السلسلة من الطلبات الضخمة، يبدو المنافسون قلقين من ألا تكون نسب النمو المتوقعة إلا مجرد كتل معدنية رابضة على الأرض».

وتحيي كل تلك المخاوف الشكاوى المتكررة من قبل شركات الطيران التقليدية، حول ما يرونه منافسة غير عادلة من جانب الشركات المنافسة المملوكة للدولة. وتقوم شركات الطيران في الولايات المتحدة حاليا بحشد التأييد السياسي ضد خطط لتدشين مؤسسة تعمل في خدمات الجمارك والهجرة في أبوظبي، على غرار تلك التي المؤسسات التي تعمل في «ناسا»، وفي جزر البهاما، أو في معظم المطارات في كندا، بحجة أنه ستعطي ميزة نسبية غير عادلة لشركة طيران الاتحاد، التي يوجد مقرها هناك.

كما يعترض المنافسون أيضا على ما يعتبرونه ميزة تجارية غير عادلة، التي تعود بالفائدة على شركات الطيران الأجنبية التي تسعى إلى الحصول على ضمانات تمويلية أو قروض تفضيلية لشراء طائرات «بوينغ». وتبقى تلك الشروط التفضيلية، التي تهدف إلى تعزيز الصادرات الأميركية من الطائرات، غير متاحة لشركات الطيران المحلية، في كثير من الدول الأخرى.

وعلى الرغم من ذلك، يشك البعض في قدرة شركة طيران الإمارات على البقاء في المنافسة. فلديها في الوقت الحالي رصيد من طلبات الطائرات الجديدة يبلغ مجموعه 385 طائرة تحت الطلب، بما في ذلك 101 طائرة من طراز «A380s» بقيمة إجمالية 166 مليار دولار. وتسير حاليا 39 طائرات من طراز «A380s»، وتمثل طلباتها الحالية أكثر من نصف الطلبات العالمية الإجمالية من طائرات «A380». وعلى النقيض من ذلك، تسير «الخطوط الجوية الفرنسية» و«لوفتهانزا» الألمانية و«الخطوط الجوية» البريطانية مجتمعة 22 طائرة من طراز «A380s»، ولا تخطط تلك الشركات لزيادة طلباتهم في المستقبل المنظور. وفي حين تبدو تلك الأرقام مثيرة للإعجاب، يعرب بعض المحللين عن شكوكهم في قدرة شركات الطيران الخليجية، وبصفة خاصة طيران الإمارات، على الحفاظ على معدلات النمو تلك.

ويعبر مايك بويد، الذي يعمل مستشار في مجال الطيران، عن دهشته بعد سماعه عن أرقام الطلبات الكبيرة الخاصة بشركة طيران الإمارات من طراز «A380s»، بقوله: «لقد انعقد لساني من الدهشة»، مضيفا: «يعتبر طراز (A380) تحفة رائعة، ولكن لا توجد كثير من المطارات في العالم التي يمكن لتلك الطائرة أن تهبط فيها، كما لا يوجد كثير من خطوط الملاحة التي يمكنها أن تتحمل العدد الكبير من المقاعد التي توفرها تلك الطائرة. وبالتأكيد أنه سيجري البحث عن خطوط الملاحة التي سيكون في مقدورها تسيير تلك الطائرات».

تعليقات