هل يستخدم المحققون طائرات بدون طيار للتجسس علينا؟

باتت الطائرة بدون طيار أحدث وسيلة بالنسبة للمحققين العاملين في القطاع الخاص. لكن إلى متى سيكون بوسعهم مواصلة استخدامها؟ الصحفية روز إفليث تحقق في الأمر.


تعمل المحققة "كريس رايت" في "حل المشكلات"، إذ يأتيها عملاؤها بقضية أو مسألة أو حتى لغز لتستنبط هي السبيل الأمثل لإيجاد الحل، مُستخدمةً في ذلك كل ما أوتيت من أدوات.
تقول رايت: "أستخدم مزيجا من التقنيات الحديثة وتلك العتيقة، لأنه يتعين عليّ حل مشكلة ما. لذا استخدم كل شيء؛ بدءاً من طيور الأوز، والكلاب، والرومبا (مكانس كهربائية شبيهة بالإنسان الآلي) وصولا إلى الطائرات بدون طيار، والنظام العالمي لتحديد المواقع باستخدام الأقمار الصناعية (جي بي إس)".
تعمل كريس رايت محققة خاصة، وتمتلك مؤسسة (رايت جروب)، التي تتخذ من منطقة أنهايم بولاية كاليفورنيا الأمريكية مقرا لها. وعملت رايت في هذا المضمار منذ أكثر من 40 عاما، وشهدت كيف تغيرت الأدوات المتاحة لأمثالها من المحققين على نحو كبير للغاية.


في البداية، كان من المهم لأعمال التحقيق والتحري أن يقبع القائمون عليها داخل شاحنات ما لمراقبة شخص أو مكان مُستهدف، أو انتظارا لمشتبه بهم يُراد القبض عليهم. أما في الآونة الأخيرة، فقد بدأت أدوات حديثة؛ مثل الكاميرات دقيقة الحجم ومواقع التواصل الاجتماعي في الاضطلاع بدور في هذا المضمار.
وبدورها، تبنت كريس رايت هذه التغيرات. والآن، تلجأ إلى استخدام الطائرات بدون طيار لأداء عملها، عندما تكون بصدد التعامل مع مشكلة ما تستدعي الاستعانة بمثل هذه الطائرات.
وهنا ضربت لي هذه السيدة بضعة أمثلة. فإذا ما التقى شخصان في مكان عام؛ تشكل الطائرة بدون طيار وسيلة فعالة لمراقبتهما سرا. وتقول رايت: "نبقى على ارتفاع يتراوح ما بين نحو 50 – 75 قدما (15 – 23 مترا)، لذا لا يمكن أن يُسمع صوت (الطائرة)."
كما أن استخدام الطائرات بدون طيار مفيد كذلك في عمليات المراقبة التي تجري من الجو لأماكن يصعب دخولها على الأقدام. فإذا ما كان هناك قلق بين القائمين على مدرسة ما أو كنيسة ما بشأن إمكانية تعرض المكان لعملية سطو أو تخريب، فيمكن إجراء عمليات تصوير لذلك المكان. وباستخدام الطائرات بدون طيار، أو المركبات المصممة للاستخدام على الطرق المعبدة والوعرة (تلك التي تطلق عليها رايت اسم "رومبا في أقصى قوتها")، وذلك في إشارة أخرى للمكانس الكهربائية الشبيهة بالإنسان الآلي.
في إحدى الحالات، طُلب من رايت أن تتحقق مما إذا كان يتجاوز شخص ما، يعمل مندوب مبيعات لمنتجات المياه الغازية، حدود المقاطعة المسموح له العمل فيها، ويخالف بنود العقد الذي يعمل بموجبه. فمثلا قد يُسمح لمندوب ما - ولنسمِه بوب - ببيع منتجات بيبسي في مقاطعة لوس أنجليس، بينما يُسمح لمندوبة أخرى - وليكن اسمها نانسي - بممارسة النشاط ذاته، ولكن في مقاطعة أورانج.


ولذا فإذا ما اكتشفت نانسي - وهي تقوم بعملها المعتاد لبيع منتجات بيبسي في المقاطعة المسموح لها بالعمل فيها – أن التجار المتعاملين معها تلقوا إمدادات بالفعل من هذه المنتجات، فإن ثمة احتمالا لا بأس به بأن شخصا آخر (ربما بوب) تجاوز حدود المقاطعة المسموح له بالعمل فيها، وقام ببيع هذه الكميات على نحو غير مشروع.لعب متطورة تقنيا
وهكذا طُلب من كريس رايت التحقق مما إذا كان مندوب المبيعات ذاك يتجاوز حدود منطقته أم لا. وكان أداء هذه المهمة يعني زيارة كل تجار الجملة العاملين في مجال بيع المياه الغازية، بين منطقتي سان لويس أوبيسبو وسان دييجو، أي على امتداد نحو 480 كيلومترا على ساحل كاليفورنيا، والتحقق من الأمر.
وعندما عُثر على كميات من المياه الغازية بيعت على نحو غير مشروع، كان بوسع رايت استخدام طائرة بدون طيار لتعقب الشاحنات التي تتولى تسليم تلك الكميات، والتعرف على المستودعات التي تأتي منها.
وفي إحدى المرات، قادها تعقب الشاحنة إلى مستودع في الصحراء؛ كان من المستحيل الاقتراب منه، سواء بالسيارة أو سيرا على الأقدام، دون أن يلحظ أحد ذلك. ولكن استخدام الطائرة بدون طيار جعل من الممكن التجسس على الشاحنات سرا. وتقول رايت إنه كان بوسعها رؤية ما يدور في المسافة "ما بين باب المستودع، وعملية تحميل الشاحنة" بالبضائع.
وتشتري رايت الطائرات بدون طيار، التي تستخدمها في عملها، من متاجر تبيع الدمي واللعب المتطورة وغالية الثمن، وذلك بسعر يصل إلى 200 دولار أمريكي للواحدة. وتشكل مثل هذه الطائرات استثمارا باهظ التكاليف، إذ أنه لا يتعين على المرء شراؤها فحسب، بل يتوجب عليه كذلك استئجار شخص أو شخصين لتوجيهها، واستكشاف الأشياء التي يُراد مراقبتها وتحديد موقعها.
وإذا ما فقدت إحداها خلال مهمة من المهام، فإن ذلك معناه اقتطاع جانب لا بأس به من ميزانيتك. ولكن الأمر ربما يستحق احتمال مواجهة مثل هذه المخاطر، ففي واقع الأمر، تكون هذه الطائرات مفيدة للغاية في الحالات التي تحتاج إلى استخدامها.
وعلى أي حال، لا توجه كريس رايت تلك الطائرات بنفسها، وتقول: "أسعى لاستئجار أشخاص يمارسون ألعاب الفيديو. أتوجه إلى زملائي، وللمدارس العليا لأتعرف على الأشخاص المهووسين بهذه الألعاب، ثم أتفق معهم لأداء هذه المهمة مقابل أجر مادي".
وترى رايت أن مستوى براعة "قائدي" طائراتها، أو بالأحرى من يقومون بتوجيهها، يفوق أي مستوى قد تسعى للوصول إليه في هذا الصدد، كما تقول إنهم يحبون التحدي. ويُشار إلى أن بعض هؤلاء يسعى من أجل استصدار تصريح يُمكنّه أيضا من العمل كمحقق خاص.
وفي هذا الإطار، فإن الساعات التي يقضونها وهم يوجهون تلك المعدات الإليكترونية صغيرة الحجم، يُمكن أن تُحسب ضمن الفترة التي كرسوها من أوقاتهم للحصول على الشهادات التي تؤهلهم لاستصدار مثل هذه التراخيص. (لم يرغب أيٌ من "قائدي" طائرات رايت في الحديث إلينا في هذا الشأن.)
من جهة أخرى، من الممكن تفهم أن فكرة استخدام طائرات بدون طيار للتجسس على الناس ليست بالأمر الذي يشيع الارتياح في نفوس الجميع. وفي واقعة شهدتها مدينة سياتل الأمريكية عام 2013، ذكرت امرأة أن شخصا ما استخدم طائرة من هذا النوع للتجسس عليها.

وقالت المرأة آنذاك لمدونة تحمل اسم "كابيتول هيل سياتل": "بعد ظهر اليوم، وضع شخص لا أعرفه طائرة بدون طيار في وضع التحليق فوق فنائي وبالقرب من منزلي الواقع قرب منطقة ميللر بلاي فيلد."
ومضت تقول: "في بادئ الأمر، حسبت خطأً أن الأزيز الصاخب الصادر عن تلك الطائرة ناجم عن استخدام آلة لقص الحشائش في هذا اليوم الربيعي الدافئ . بعد عدة دقائق، أطللت من نافذتي الواقعة في الطابق الثالث، لأرى طائرة بدون طيار تحلق على بعد بضعة أقدام مني."
بعد ذلك، طلب زوج هذه السيدة من مُشغّل الطائرة – الذي كان يقف على مقربة - الانتقال إلى مكان آخر، لكن ذلك الرجل أدعى أن ما يقوم به، لا يشكل تجاوزا للحقوق القانونية التي يتمتع بها.

تشديد القواعد

لكن مدى صحة مثل هذا الادعاء ليست بالأمر الواضح على الدوام. فوفقا للمؤتمر الوطني للمجالس التشريعية للولايات في الولايات المتحدة؛ بحثت 35 ولاية العام الماضي إمكانية طرح مشروعات قوانين تتعلق باستخدام الطائرات بدون طيار، بينما سنت 10 ولايات قوانين جديدة في هذا الشأن بالفعل.
فعلي سبيل المثال، لم يعد من حق سلطات ولاية آيوا استخدام طائرات من هذا الطراز في تطبيق قوانين المرور. أما في نورث كارولينا، فلم يعد بوسع أحد استخدام طائرة بدون طيار لمراقبة شخص ما أو ممتلكات خاصة. وفي ولاية تينيسي، بات استخدام تلك الطائرات لمراقبة أشخاص يقومون بصيد الأسماك والحيوانات بمثابة جنحة، وفقا لقوانين الولاية.
وفي هذا السياق، فمن الممكن قريبا أن يصبح استخدام كريس رايت للطائرات بدون طيار في عملها أمرا مشكوكا فيه من الوجهة القانونية بدوره. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، طرح عضو بمجلس الشيوخ عن كاليفورنيا مشروع قانون من شأنه توسيع نطاق حقوق الملكية التي يحوزها صاحب أملاك عقارية ما، لتشمل المجال الجوي الخاص بها كذلك، وهو ما يعني أن تحليق الطائرات بدون طيار فوق أملاكٍ خاصة، سيعد بمثابة تعدٍ وانتهاكٍ للحرمات.
وقبل أيام قليلة من طرح هذا المشروع، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما والإدارة الفيدرالية للطيران في البلاد بدورهما قواعد جديدة تتعلق باستخدام الطائرات بدون طيار. ومن بين الأمور التي توجبها القواعد الجديدة على مستخدمي مثل هذه الطائرات، ألا يزيد وزن الطائرة منها على 25 كيلو غراما. كما تفرض على مشغلي تلك الطائرات الإبقاء عليها أمام أعينهم طوال الوقت.

ونظرا للغموض الذي يشوب القوانين المتبعة في هذا الشأن؛ يتجنب العديد من المحققين الخاصين استخدام الطائرات بدون طيار. يقول واحد من هؤلاء، ويدعى كيلي ريدل ويعمل في تكساس: "يخضع استخدام تلك الطائرات في أغراض المراقبة للكثير من القيود من الوجهة القانونية.
فهناك القواعد الخاصة باستخدام المجال الجوي، وكذلك قوانين الخصوصية، وهي قوانين عرضة للانتهاك بسهولة. وهكذا، فقد تلقينا نصائح مفادها أن استخدام طائرة بدون طيار للحصول على تسجيل مصور ما، هو أمر غير قانوني".
ويعود ذلك إلى كون الطائرات من هذا الطراز تُستخدم في أغلب الأحيان لمراقبة أنشطة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة من على سطح الأرض. ويقول ريدل إن قيام المرء بالتجسس عبر القيام بمثل هذه الأنشطة يعتبر انتهاكا للخصوصية.
لكن الكثير من الأنشطة التي تمارسها رايت كمحققة خاصة لا تتعارض مع مسألة حماية الخصوصية هذه، نظرا لكونها تتضمن مساعدة المدارس والكنائس على مراقبة ممتلكاتها.
في جميع الاحتمالات، سيجري في الولايات المتحدة – عاجلا أو آجلا – فرض قيود على استخدام الطائرات بدون طيار، وذلك بموجب مجموعة من القواعد واللوائح التي ستكون أوسع نطاقا من تلك المطبقة الآن. ولكن في الوقت نفسه، ستواصل كريس رايت استخدامها عندما تكون هناك حاجة إليها لأداء المهام التي تُكلف بها.
غير أن رايت تقول أيضا إنه إذا ما اعتقد شخص ما أن استخدام مثل هذه الطائرات يمس خصوصيته، فسيمضي على طريق اتخاذ إجراء ما حيال هذا الأمر، وذلك بغض النظر عن مسألة مشروعية ذاك الاستخدام من عدمه.
وقد يعني هذا إسقاط تلك الطائرات، وهو تصرف آخر ربما يكون قانونيا أو غير قانوني. وهنا تقول رايت: "أعتقد أن الكثير من زملائي فقدوا طائرات من ذلك الطراز، وقد أدرك هؤلاء أنها ليست سوى أداة. وإذا ما انتهك المرء خصوصية شخص آخر (باستخدام تلك الطائرات) فسوف يسقطها (الأخير) إذا كان بوسعه ذلك."

تعليقات