تمضي الخطوط الجوية البريطانية قدما في تشييد محطة تهدف إلى تحويل نصف
مليون طن من القمامة المنزلية في لندن إلى 50 ألف طن سنويا من وقود
الطائرات. وسيتم تزويد جميع رحلات الخطوط الجوية البريطانية من مطار مدينة
لندن بالوقود المتولد من القمامة من ورق، وبقايا طعام، ومخلفات حدائق،
والمخلفات العضوية الأخرى التي يتخلص منها سكان المدينة.
ولكن قبل أن تستخدم القمامة كوقود للطائرات ستتم معالجتها في محطة جرين
سكاي (السماء الخضراء) في لندن: وهي محطة للوقود الحيوي تحت الإنشاء، وتقع
في الجانب الشرقي من المدينة. وفي كل عام ستستقبل المحطة نحو 500 ألف طن من
نفايات المدينة وستحول المكون العضوي الموجود بهذه النفايات إلى 60 ألف طن
من وقود الطائرات، وكمية مساوية من وقود الديزل المخلوط بنفتا البنزين،
و40 ميجاوات من الكهرباء.
وهذا المستوى من الإنتاج يكاد لا يكون ملحوظا في المصافي النفطية
التقليدية، التي تولد عادة حجما مماثلا من المنتجات خلال أسبوع واحد. ولكن
وفقا لتصريحات نثنائيل جرين، مدير سياسة الطاقة المتجددة في مجلس الدفاع عن
الموارد الطبيعية في مدينة نيويورك فإن: "جمع الكتلة الحيوية الكافية
لتشغيل مصفاة بترول هو أمر غير وارد". ومحطة جرين سكاي لندن هي نموذج
للاتجاه نحو الجيل الثاني من مفاعلات الوقود الحيوي التي لا تتسم بقبول
مختلف النفايات فحسب - يمكن تغذيتها بسيقان الذرة، ورقائق الخشب، وغيرها من
أشكال النفايات الزراعية، فضلا عن القمامة المنزلية - ولكنها تتسم أيضا
بصغر الحجم. ويتعلق الأمل بخفض تكاليف النقل من خلال جلب المفاعلات إلى
أماكن الكتلة الحيوية وليس العكس.
ويرى المؤيدون أن التقنيات التحفيزية الجديدة والتصاميم المدمجة ستجعل
الجيل الثاني من محطات الوقود الحيوي ليس فقط صديقا للبيئة، ولكن أيضا
مربحا بما يكفي لمنافسة الوقود البترولي غير المدعوم. ويظل السؤال يدور حول
مدى واقعية هذا الأمل. ولكن على الأقل قرر بعض العملاء تجربة هذه المحطات،
حيث بدأت الوحدات التجارية في الظهور في أماكن مختلفة من فنلندا إلى ولاية
ميسيسيبي وولاية ألاسكا.
وفي حالة نجاح محطات الجيل الثاني هذه، فإنها ستوفر ميزة كبيرة واحدة
على الأقل لم تكن موجودة في أسلافها: وسيلة منخفضة الكربون لإنتاج الوقود
الذي يناسب المركبات الموجودة حاليا.
وقد كانت محدودية التوافق في هذا الصدد هي المشكلة الرئيسة التي يعانيها
الجيل الأول من محطات الوقود الحيوي، والتي تعتمد على التقنية المطورة على
مدى آلاف السنين لإنتاج البيرة والنبيذ والمشروبات الروحية. فهذه المرافق
تطحن منتجات صالحة للأكل مثل الذرة أو قصب السكر، ثم تضيف إليها الماء
والخميرة، وتسمح لعملية التخمير أن تأخذ مجراها الطبيعي. والنتيجة هي
الحصول على إمدادات وفيرة من الكحول الإيثيلي، الذي يعد وقودا ممتازا ويمكن
أن يتم خلطه بالبنزين.
ولكن هناك عيوب خطيرة لإنتاج الوقود من المواد الغذائية في عالم يتزايد
فيه عدد السكان في ظل محدودية الأراضي الصالحة للزراعة. لذلك ظلت صناعة
الوقود الحيوي لأكثر من عقد من الزمان تبحث عن طرق اقتصادية لاستخدام سيقان
الذرة، ورقائق الخشب، وغيرها من المنتجات الثانوية التي يكون مصيرها حاليا
إلى النفايات. وهذا المنهج أوجد تحديا لأسلوب التخمير، لأن هذه المواد
تحتوي على جزيئات خشنة طويلة السلسلة مثل السليلوز واللجنين، التي لا يمكن
للخميرة تحليلها بسهولة.
ويعد كل حقل أو غابة أو مكب للنفايات مصدرا محتملا للوقود. ولا شك أننا
أبدا لن نتخلص تماما من حاجتنا للوقود السائل، فبعد 50 سنة من الآن قد
نستطيع تحويل النقل البري كله للعمل بالكهرباء، ولكن الطائرات تتطلب مستوى
من كثافة الطاقة لا يمكن للبطاريات توفيره، فليس من السهل إيجاد بديل
للوقود السائل.
وصناعة الطيران حريصة على زيادة خيارات الوقود اللازم لها، لأن الطائرات
لا يمكن تشغيلها بالكهرباء مثل السيارات والشاحنات. واليوم تقتصر شركات
الطيران على استخدام الوقود النفطي الذي يمثل أضخم عناصر نفقات هذه
الصناعة، والذي يعد مصدرا متناميا لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس
الحراري.
تعليقات