عن المصدر |
في العام الماضي، تحطمت مركبة فضائية
تجريبية تحمل اسم "سبيس شيب تو" جراء حادث لم يكن يُفترض أن تكون هناك
إمكانية لوقوعه من الأصل. الصحفي بول ماركس يتحرى الأسباب التي أدت لفشل
مهمة هذه المركبة التابعة لشركة "فيرجن غالاكتيك".
في نظر البعض، بدا
أن ما حدث كان على النحو التالي: في البداية حاول طيار ما أن ينفذ مناورة
بتلك الطائرة التجريبية، وكان ذلك ممكنا من الوجهة الفنية، لكنه خطر في
الوقت ذاته.
ولسبب ما، لم يتدخل النظام الملاحي المتطور الخاص
بالمركبة، والذي يُدار بواسطة الكمبيوتر، للحيلولة دون حدوث هذه المناورة،
رغم أن مثل هذا التدخل كان من المفترض أن يحدث. وهكذا لم يتحمل هيكل
المركبة الضغوط الواقعة عليه، مما أدى إلى تفككه.
في الآونة الأخيرة،
تم تداول مثل هذا السيناريو في التغطيات الإخبارية لوسائل الإعلام، وذلك
بالتزامن مع ما رواه بيتر سيبولد قائد مركبة (سبيس شيب تو) حول ملابسات
تحطم طائرته فوق صحراء موهافي العام الماضي، مما أدى لمقتل الطيار المساعد
مايكل ألسبري.
وقد وجه اللوم إلى ألسبري في وقوع الحادث، وذلك إثر
إقدامه على تشغيل منظومة لكبح السرعة بشكل مبكر عما هو مفترض، وذلك في وقت
كانت فيه المركبة لا تزال تندفع إلى أعلى، وهو إجراء لم يكن يفترض أن يكون
بمقدور الطيار المساعد الإقدام عليه، من الوجهة النظرية.
وعلى أي
حال، فإن هناك أوجه شبه بين هذا الحادث، وحادث آخر وقع قبل أكثر من عقد من
الزمان؛ ولكن مع طائرة كانت تعج بالركاب. ففي ذلك الوقت، تحطمت الطائرة
أيضا في واقع الأمر جراء مناورة قام بها الطيارون.
وفي نوفمبر/تشرين
الثاني من عام 2001، تحطمت طائرة تابعة لشركة "أمريكان آيرلاينز" - وهي
الرحلة رقم 587 - فوق حي كوينز بمدينة نيويورك الأمريكية بُعيّد إقلاعها من
مطار جون إف كينيدي، مما أدى لمقتل كل من كانوا على متنها وعددهم 260
شخصا، إضافة إلى خمسة أشخاص آخرين كانوا على الأرض.
فقد لجأ الطيار
المساعد للطائرة، التي كانت من طراز آيرباص أيه 300 – 600، إلى تحريك دفة
ذيل طائرته، أو ما يُعرف بـ "زعنفة الذيل"، على جانبيها في مسعى منه
لمواجهة الاضطرابات الجوية التي نجمت عن إقلاع طائرة من طراز "بوينغ 747"
من المطار قبيل طائرته بوقت قصير.
لم يكن الإقدام على خطوة من هذا
النوع أمرا غير مألوف بالنسبة لذلك الطيار، الذي كان يألف مثل هذه
المناورات خلال عمله على المقاتلات الحربية الأصغر حجما.
وفي واقع
الأمر، كان يُحظر على الطيارين العاملين على الطائرات الكبيرة التي تقوم
برحلات تجارية اللجوء إلى مثل هذا الإجراء، لكن الإقدام عليه كان أمرا
يسيرا نظرا لأن أنظمة التحكم في الطائرات من طراز آيرباص أيه 300-600 كانت
تجعل تحريك دفة الذيل أكثر سهولة كلما زادت السرعة التي تتحرك بها الطائرة.
وكانت النتيجة أن التيارات الهوائية القوية التي أثرت بالتبادل على
جانبي الطائرة، أدت لفصل دفة الذيل والجزء المسؤول عن الاتزان فيه عن
بدنها، مما أدى لخروجها عن نطاق السيطرة.
وفي تقرير عن تلك الكارثة،
قال المجلس الوطني لسلامة النقل في الولايات المتحدة إن تحريك الطيار
المساعد لدفة الذيل على نحو "مفرط وغير ضروري" كان هو السبب في ذلك الحادث.
وانتقد
التقرير نظام التدريب الذي تتبعه الشركة المالكة للطائرة، ولكنه أضاف فقرة
تشير إلى أن ثمة حاجة لإدخال تعديلات على نظام التحكم المستخدم فيها،
والذي كان يتسم بحساسيته المفرطة لدى تحرك الطائرة بسرعات كبيرة.
ويحمل
ذلك الحادث في طياته أوجه شبه واضحة مع التفاصيل التي ظهرت بشأن ما وقع
لمركبة "سبيس شيب تو" الفضائية التجريبية، وهي التفاصيل التي كُشف عنها
بالتزامن مع الاجتماع الذي عقده المجلس الوطني لسلامة النقل في العاصمة
الأمريكية واشنطن لصياغة تقريره بشأن الكارثة التي حلت بتلك المركبة.
وقد
وقعت تلك الكارثة في 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، عندما انفصلت
المركبة الفضائية "سبيس شيب تو" – التي صنّعتها شركة "سكالِد كومبوزيتس" –
عن المركبة الأم التي كانت تحملها، "وايت نايت تو"، على ارتفاع 10
كيلومترات فوق سطح الأرض.
وكان الهدف من التجربة اختبار المحرك
الصاروخي الهجين للطائرة التجريبية، والذي يوّلد طاقة الحركة عبر إحراق
الحبيبات الصلبة لمادة النايلون في غمار تيار من غاز أكسيد النيتروز.
انشطار الطائرة إلى جزئين
وكان
من المفترض أن يطلق طاقم "سبيس شيب تو" ما يُعرف بـ"الذراعيّن التوأمين"
لذيل المركبة، وهي تتحرك بسرعة تفوق سرعة الصوت بنحو مرة ونصف المرة، وذلك
حتى يتسنى لهذين الذراعين أن يدورا حول محوريهما ليرتفعا لأعلى.
أو
بعبارة أخرى، يرتفع الذراعان "لينتفشا كالريش" بزاوية قائمة على بدن
المركبة، عندما تبلغ المركبة أعلى نقاط مسارها دون المداري الواقع على
ارتفاع 100 كيلومتر، أي في تلك النقطة التي يبدأ عندها الفضاء الخارجي.
ويهدف نصب ذراعيّ الذيل على هذه الشاكلة إلى تحويل المركبة كلها إلى ما يشبه ريشة طائرة تتهادى في الهواء ببطء.
ويستهدف ذلك الحيلولة دون حدوث ارتفاع كبير لدرجة حرارة المركبة، المصنوع هيكلها من ألياف الكربون، خلال الرحلة.
وخلال تحرك المركبة بمثل هذه السرعة العالية، تحول القوى المرتبطة
بالديناميكيات الهوائية دون أن يتم وضع منظومة "الذراعين – أو الريشتين -
التوأمين" هذه في وضع التشغيل طالما لا تزال عملية الاحتراق دائرة في
المحرك.
لكن لأسباب غير معلومة حتى الآن، أقدم الطيار المساعد على
إطلاق العنان لتشغيل هذه الآلية بمجرد اشتعال الصاروخ، أي قبل بلوغ المركبة
سرعة الصوت بوقت قصير.
وأدى نصب ذراعيّ الذيل التوأمين، إلى جعل جزء
من المركبة يحاول التحرك بسرعة تفوق سرعة الصوت تقريبا، في وقت كان فيه
الجزء الآخر يتحرك تحت تأثير تشغيل آلية لكبح سرعته، وهكذا أدت قوى الضغط
الهائلة بالتبعية إلى انشطار المركبة، مما قاد إلى مقتل الطيار المساعد.
وبحسب
تقرير المجلس الوطني لسلامة النقل في الولايات المتحدة، والذي سيُكشف عنه
النقاب كاملا خلال فترة قصيرة من الآن، فإن الشركة المُصنّعة للطائرة لم
تضع في الحسبان إمكانية أن يضع أحد الطيارين المشاركين في اختبار الطائرة
منظومة "الريش" هذه في موضع التشغيل مبكرا، أو أن يتسبب خطأ بشري ما في
تشغيل هذه المنظومة على نحو عشوائي ودون صدور أمر بذلك.
نتيجة لذلك، فإن أنظمة التحكم في الطائرة لم تتدخل للحيلولة دون تفعيل هذا الإجراء.
لكن
بات من الواضح أن نظام التحكم الذي تستخدمه الشركة المصنعة لتلك الطائرة
الآن صار بإمكانه التدخل. فقد تم إدخال تعديلات على النظام المُستخدم في
المركبة التي ستحل محل "سبيس شيب تو"، والتي يجري تصنيعها حاليا في منطقة
موهافي بكاليفورنيا، بحيث يمنع أي إطلاق لذراعيّ الذيل قبل الوقت المحدد
لذلك.
ومن جهته، قال جورج وايتسايدس، الرئيس التنفيذي لشركة "فيرجن
غالاكتيك" والمسؤول كذلك عن مصنعها المشترك مع شركة (سكالِد) الذي يحمل اسم
(سبيسشب كومباني)، في تصريحات لـ بي بي سي فيوتشر إنه تم إجراء "مراجعة
داخلية شاملة" لضمان أن يكون بمقدور أنظمة التحكم في الطائرة التدخل لمنع
وقوع حوادث ناجمة عن أخطاء يرتكبها الطيارون.
وأضاف وايتسايدس قائلا
:"لقد أشركنا أيضا لجنة مراجعة من خارج الشركة لتأكيد صحة ما خلصنا إليه من
نتائج، وهو ما قام به أعضاء هذه اللجنة بالفعل".
وتابع وايتسايدس: "مركبتنا الفضائية الثانية، المقرر أن تنطلق في وقت لاحق من هذا العام، ستتمتع بقدر أكبر من الأمن" للقيام برحلتها.
تعليقات