هل تتحول طائرة سولار إمبلس-2 إلى بديل للأقمار الصناعية ؟



ما الذي ينتظر الطائرة الشمسية  سولار إمبُلس Solar Impulse 2 بعد أن تَحُط هذا العام في آخر محطات رحلتها التاريخية حول العالم التي لم تُستخدم فيها قطرة وقود واحدة؟ مع تَعَدُّد الأفكار المُرتبطة بهذا المشروع العالي التقنية، يبدو أن الأنظار تتجه إلى الإقتفاء بِخُطى كل من شركتي فيسبوك وغوغل، لتطوير طائرات بدون طيار تعمل على الطاقة الشمسية كي تَحُل محل الأقمار الصناعية.

ما يراود فريق طائرة  Solar Impulse 2 من أفكار بشأن الخطط المستقبلية لهذه الطائرة، جاء واضحاً من خلال ما دوَّنه أندريه بورشبيرغ، أحد قائدي الطائرة على موقع هذا المشروع البحثي المُهم مؤخراً :"بعد الطائرة الشمسية، هل تكون الخطوة التالية إنشاء طائرات شمسية بدون طيار؟ وكما أضاف :"تخَيَّل طائرة قادرة على التحليق على ارتفاعات عالية لعدة أشهر متواصلة! وبطبيعة الحال سوف يكون هذا بدون طيار. وبإمكان مثل هذه الأجهزة التي يُطلَق عليها غالبا الـ‘درونات’ أن تحل محل الأقمار الصناعية أو تُكَمِّل مَهامها في مجلات الرَصد والاتصالات".
ومن المؤكد أن رؤية بورشبيرغ هذه ليست مُجَرَّد أضغاث أحلام. حيث يُجري فريقٌ من المهندسين والعلماء والمُصَممين والشركاء الذين طوروا الطائرة الشمسية التي حققت أرقاماً قياسية، دراسة جدوى مُتقدمة لتطويرطائرت شمسية بدون طيار، أو ما يُطلَق عليه ‘محطات المنصات عالية الإرتفاع (High-altitude pseudo-satellites)   أو HAPs إختصاراً.
وكما أخبر الطيار السويسري بأن المشروع في مرحلة ما قبل التصميم تقريباً ، وأضاف سوف نتحول هكذا من مشروع إستكشافي إلى مشروع صناعي .
وتكمن فكرة بورشبيرغ في بناء طائرات بدون طيار أصغر وأخَف وأكثر كفاءة من ‘سولار إمبُلس 2’ المعروفة إختصاراً بـ Si2  وبِجِناحين يتراوح باعهما (المسافة بين الجناحين الأيمن والأيسَر) بين 23 و50 مترا، وبصافي حمولة لا يتعدي 50 كغم فقط. [بالمقارنة يمتد باعُ جناح طائرة Solar Impulse 2 على 72 متراً، كما تزن بين 250 و300 كغم].
ومن خلال التحَكُّم بالطائرة من الأرض، يأمل الطيار والمهندس السابق في القوات الجوية السويسرية، أن تتمكن كل طائرة بلا طيار من التحليق دون توقف لمدة تصل إلى ستة أشهر في طبقة الستراتوسفير الهادئة (أعلى طبقات الغلاف الجوي) على إرتفاع نحو 20,000. وهكذا تكون الطائرة [المحطة] أعلى بكثير من الطائرات التجارية وبمأمن من العواصف الرعدية وأي نوع من الكوارث الطبيعية. فضلاً عن ذلك، سوف يتم إستبدال وتَحديث وتكييف مُعِدّات الطائرة في كل رحلة جديدة، لتلبية مُتطلبات المُهِمّة التالية.
"سيكون من الأسهل بكثير بالنسبة لنا تقليص الحَجم وإنشاء شيء أخف وزناً، مما سيكون للبقية الذين يبنون نماذج خفيفة ثم يحاولون التوسع بها لاحقاً" بِحَسب بورشبيرغ.
 

مع ذلك، سوف تكون هناك حاجة لإعادة تصميم جسم الطائرة وجناحيها، بسبب نُدرة الهواء في طبقة الستراتوسفير الذي يعمل كقوة رافعة لجناحي الطائرة، الأمر الذي سيتطلب المزيد من القوة والطاقة للحفاظ على الطائرة في هذا لإرتفاع.
وبِحَسب الطيار البالغ من العمر 63 عاماً، والذي شارك مؤخراً في محادثات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2015 في باريس برفقة برتران بيكار المؤسس المشارك لمشروع ‘سولر إمبُلس’، سوف تركز هذه الـ ‘درونات’ في مَهامها على عمليات الرَصد البيئي.
"هناك حاجة مُتزايدة لِمُراقبة الأرض من السماء"، كما قال. "يشهد المناخ تغيراً مُستمراً كما تختلف الأنماط عاماً بعد آخر، لذا تزداد أهمية القُدرة على الرَصد والإستجابة السريعة. أنا على يقين من أن المُراقبة من السماء سوف تُمَكِننا من تَحسين استخدام الأراضي ونوعية الزراعة وتَعزيز معرفتنا بالمحيطات والغابات".

ووفقاً لـ بورشبيرغ تؤدي الأقمار الصناعية هذا الدور بالفعل، لكن إمكانياتها محدودة ليس بسبب مداراتها الثابتة أو إرتفعها الشديد الذي لا يساعد في تنفيذ عمليات الرصد، ولكن لإفتقارها للمرونة أيضاً.

"سوف تكون المسألة صعبة ... ومن المؤكد أنَّ الطائرات الشمسية بدون طيار لن تحلِّق بعد 12 شهرا من الآن، ولكني آمل أن يكون هناك بعضها فوق رؤوسنا في غضون 3 إلى 5 أعوام"، بحسب الطيار السويسري.

شبكات طائرة

بيد أنَّ Solar Impulse 2 لن تكون بمفردها في الميدان التجريبي لمشروع الطائرات الشمسية التي تعمل بدون طيار في طبقة الستراتوسفير، والذي لا يزال في مَهدِه إلى حدٍ كبير. ففي الصيف الماضي، أعلنت شركة ‘فيسبوك’ عن بدأها رحلات تجريبية لطائرة عملاقة بدون طيار تعمل على الطاقة الشمسية في نهاية عام 2015، ضمن مبادرتها  إنترنت أورغ   Internet.org  التي أطلقتها في عام 2013. وسوف تبقى هذه الطائرة التي تحمل اسم اكويلا 1Aquila  في طبقة الستراتوسفير لعدة أشهر لتوصيل الإنترنت إلى انحاء الأرض النائية التي تنعدم فيها إمكانية الوصول إلى الشبكة العنكبوتية.
ويقول مهندسو شركة فيسبوك بأنهم قاموا بتصميم طائرة بدون طيار على شكل أداة الـ ‘البُمَرِنْج’ المرتد يمتد باع جناحيها على 42 متر وتزن نحو 450 كغم. كما أعلنوا أن هدفهم هو بناء أسطول بوسعِه التحليق في ارتفاعات عالية لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، وباستخدام تقنية الليزر لإيصال إشارة الإنترنت عَبر شبكة الطائرة إلى محطات على الأرض.
وكان مارك تسوكربيرغ مؤسس موقع التواصل الإجتماعي قد أعلَن عن "تحقيق شركته لطفرة فى تكنولوجيا اتصالات الليزر، حيث تم اختبار جهاز ليزر جديد يمكنه نقل البيانات بسرعة 10 غيغابايت فى الثانية، أى بنحو 10 مرات أسرع من الأنظمة السابقة".
على الصعيد نفسه، يجري عملاق التكنولوجيا غوغل تجاربه في طبقة الستراتوسفير ليس باستخدام طائرات بدون طيار فحسب، ولكن بواسطة البالونات عالية الإرتفاع والأقمار الصناعية أيضاً. وكان العملاق الرقمي قد إشترى في عام 2014 شركة ‘تيتان إيروسبايس’Titan Aerospace   (الصانعة للطائرات من دون طيار) للتغلب على منافسه ‘فيسبوك’ من خلال بناء طائرة بدون طيار تعمل بالطاقة الشمسية وتحلق على إرتفاعات عالية. ولكن سباق غوغل ضد نسخة ‘فيسبوك’ تعرض لإنتكاسة في شهر مايو 2015، عندما تحطم نموذجها الأولي لطائرة بدون طيار تعمل بالطاقة الشمسية (حمل اسم سولارا 50) خلال اختبار خاص بعد وقت قصير من اقلاعها بولاية "نيو مكسيكو" الأمريكية.  
بدوريهما، كان كل من الجيش الامريكي وشركة ‘ايرباص للدفاع والفضاء’Airbus Defence and Space  وهي أحد الأقسام الثلاثة التابعة لمجموعة ‘ايرباص’ الأوروبية، والمسؤولة عن منتجات وخدمات الدفاع والطيران ناشطيَن منذ أعوام في مجال أنظمة المراقبة الجوية العالية الإرتفاع بدون طيار باستخدام مصادر بديلة للطاقة. وتعكف شركة ‘إيرباص’ حالياً على بناء طائرة ‘زفير Z8’، التي تعمل بالطاقة الشمسية وبدون طيار، باستخدام تقنية مشابهة لتقنية ‘سولار إمبُلس’. وبمقدور هذه الطائرة التحليق على ارتفاع 21,000 متر لفترة تصل إلى ثلاثة أشهر. ولا يزيد باع جناحي هذه الطائرة عن 23 متراً كما لا يتعدى وزنها 53 كغم.
وفي هذا السياق، أعلن بورشبيرغ عن إجرائه محادثات مع ‘فيسبوك’ وكذلك غوغل، - إحدى رُعاة مشروع ‘سولار إمبُلس’. "أنا أعرف هؤلاء الأشخص جيداً، ولو إستطعنا العمل سوية فإننا سنفعل ذلك. ولكني أعتقد أننا في وضع ممتاز لتطوير شيء مُثير جداً للإهتمام من سويسرا، التي تتميز بأدائها الممتاز في مجال تطوير التقنيات والأفكار الجديدة وصناعة المنظومات الراقية ومكوناتها.

 إمكانية حقيقية 

في هذا السياق، يرى فتحي دردير، العضو في الأغلبية اليمينية في مجلس النواب، أن "هناك إمكانية حقيقية لكي تكون لسويسرا الريادة في هذا المجال". ولكن الصحفي السابق يرى أن العقبات التنظيمية القائمة مازالت تشكل شوكة في العين. وقد دفعه هذا الأمر مؤخراً إلى رَفْع مذكرة إستفسار للبرلمان الفدرالي، حَثَّ فيها السلطات السويسرية والمكتب الفدرالي للطيران المدني بشكل خاص، على تنظيم الفضاء الجوي المدني لِضمان توفر بيئة مثالية لعمل الشركات المُختصة بتطوير طائرات من دون طيار.

وبِحَسب عضو الحزب الليبرالي الراديكلي من لوزان، تميل وسائل الإعلام إلى التركيز بشكل كبير على طائرة ‘سولار إمبُلس’ في حين أن هناك العديد من المشاريع الأخرى المشابهة المُثيرة للاهتمام، التي هي "أكثر تقدُّماً ولكن أقل ظهوراً للعيان".
أحد هذه المشاريع هو ‘سولار ستراتوس’ (SolarStratos) بقيادة المغامر السويسري رافاييل دومجان، الذي قام بين عامي 2010 - 2012 بجولة بحرية حول العالم بقاربه ‘بلانيت سولار’ مُعتمداً على الطاقة الشمسية فقط. ويعمل دومجان مع مستثمرين من القطاع الخاص وكانتوني نوشاتيل وفو والمركز السويسري للإلكترونيات والتكنولوجيات الدقيقة، بغية تطوير طائرات صغيرة تعمل بالطاقة الشمسية بإمكانها الطيران في طبقة الستراتوسفير.

علاوة على ذلك، يعمل فريق دومجان على تطوير شبكة ‘درونات’ تحلق في طبقة الستراتوسفير لتقديم خدمات الاتصالات في سويسرا. ومن المُنتظر أن تنطلق الرحلة التجريبية الأولى لإحدى هذه الطائرات في هذا العام (2016).
بدورها، تامل شركة ‘أوبَن ستراتوسفير  OpenStratosphere ، وهي شركة ناشئة تتخذ من المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان مقراً لها، بتطوير أسطول من الطائرات بدون طيار لتوفير "حلول أقمار صناعية إقليمية موثوق بها".
وكما يقول سايمون جونسون مؤسس الشركة :"سوف يقوم كل بلد في المستقبل بتشغيل نظامه الخاص من الطائرات بدون طيار في طبقة الستراتوسفير التابعة لمجاله الجوي الوطني. وسترغب كل دولة في السيطرة على نوعية الخدمات المقدَّمة والجهة التي تقوم بتوفيرها. ولا أعتقد أن الدول ستسمح لشركتي ‘فيسبوك’ أوغوغل بتوفير تغطية عالمية من خلال طائراتها بدون طيار".
وكما يرى جونسون، لن تعتمد سرعة التطور المستقبلي لهذه المشاريع على تطوير البطاريات الشمسية فحسب، ولكن أيضاً على تحديد السلطات المُختصة للمجالات الجوية التي يُسمح فيها بتحليق الطائرات من دون طيار وتوفيرها لتصاريح الطيران المطلوبة. "أما دور محطات المنصات عالية الارتفاع بالنسبة للاقمار الصناعية فسيكون مشابها لدور أجهزة التلفاز مع الراديو"، كما أضاف بثقة.

محطات المنصات عالية الإرتفاع

وفقاً للمختصين، يمكن ان تضطلع الطائرات بدون طيار العاملة بالطاقة الشمسية، والتي تُطلق عليها تسمية محطات المنصات عالية الإرتفاع high-altitude pseudo-satellites (أوHAPs إختصاراً)، بالمهام التي تنفذها الأقمار الصناعية، دون تحمُّل المخاطر والتكاليف العالية المُرافقة لإطلاق الصواريخ [التي تحمل الأقمار الصناعية إلى مداراتها]. ويُمكن أن تصل تكلفة بناء وإطلاق الأقمار الصناعية إلى عشرات الملايين من الدولارات.
وللتوضيح، فإن محطات المنصات عالية الإرتفاع هي عبارة عن طائرات خفيفة بدون طيار مُجَهَزَة بالخلايا الشمسية والبطاريات والمحركات المروحية. وهي مُصممة للصعود إلى ارتفاع نحو 21 كيلومتر من نقطة ثابتة على الأرض، أي فوق خط الطقس بكثير، ولكن أدنى من أقرب مدارات الأقمار الصناعية إلى الأرض والذي يصل مداه إلى 200 كيلومتر.
ترتفع هذه المحطات خلال النهار باستخدام الطاقة التي تستمدها من ألواحها الشمسية لتشغيل محركين كهربائيين صغيرين. وهي توفر طاقة البطارية في الليل من خلال هبوطها التدريجي إلى إرتفاع 15 كيلومتر أو نحو ذلك حتى الصباح. ومن حيث المبدأ، يمكن أن تحافظ المحطات على هذا الإيقاع لأشهرعدّة.
حطمت طائرة شركة إيرباص ‘زفير 7’ الرقم القياسي العالمي لقدرة تحمل طائرة بدون طيار، بتحليقها بشكل متواصل لمدة أسبوعين في يوليو 2010.

العودة للوطن

وفقاً لـما قاله أندريه بوشبيرغ أحد قائدي طائرة Solar Impulse 2 لصحيفة ‘24 ساعة الصادرة في لوزان يوم 22 ديسمبر الماضي، من المتوقع أن تواصل الطائرة رحلتها التاريخية حول العالم في 20 أبريل المقبل من جزر هاواي. وبحسب الطيار السويسري، تُعتبر هذه فترة مثالية بسبب طول أيامها وقِصَر لياليها.
وكما أوضح بورشبيرغ، تم تغيير بطاريات الطائرة التالفة وتحسين عَزلها. وكان الفريق العامل على هذه المشروع التقني والبحثي المهم قد علَّق رحلة ‘سولار إمبُلس2’ حول العالم في 15 يوليو المنصرم، بعد أضرار أصابت بعض بطارياتها في رحلتها من اليابان إلى هاواي التي إستغرقت 118 ساعة، والتي تمثل رقماً قياسياً عالمياً لطيران على مرحلة واحدة.
وكانت ‘سولار إمبُلس2’ قد أقلعت من أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة يوم 9 مارس 2015، لتتوقف لاحقاً في سلطنة عُمان، ومن ثمَّ في ميانمار والصين. وإثر أضرار تسببت بها الرياح العاتية لأحد جناحيها، توقفت الطائرة بشكل لم يتم التخطيط له في اليابان لمدة شهر تقريباً. وقد قطعت الطائرة الشمسية الأحادية المقعد في رحلتها هذه مسافة 8,200 كيلومتر حتى الآن.
وبحسب بورشبيرغ، سوف يبقى فريق الطائرة مَرناً فيما يتعلَّق بطريق العودة، والذي قد يكون عَبر فانكوفر، سان فرانسيسكو، لوس أنجلوس أو فينيكس قبل التوقف في نيويورك. وقد تنتقل الطائرة من هناك إلى بريطانيا، فرنسا، أسبانيا أو المغرب.
تم تزويد جناحي Solar Impulse 2 التي يزيد باعها عن باع جناحي طائرة من نوع بوينغ 747، بـ 17000 خلية شمسية تُغذي مروحتي الطائرة وتشحن البطاريات. ولا يتجاوز وزن الطائرة كثيراً وزن سيارة عائلية، وهي تعمل على الطاقة المخزونة أثناء الليل. وللطائرة القدرة على الصعود إلى إرتفاع نحو 9,000 متر، وهي تطير بمعدل سُرعة طيران لا تزيد عن70 كم/ساعة.

 

تعليقات