الأرصاد الجوية وسلامة الطيران المدني والنقل الجوي

 

يونس شعبان الفنادي

المركز الوطني للأرصاد الجوية

 


الملخص:

تستعرض هذه الورقة خدمات الأرصاد الجوية في تأمين سلامة الطيران المدني والنقل الجوي، وتقدم عرضاً تاريخياً حول ارتباط قطاع الأرصاد الجوية بالطيران المدني في ليبيا إدارياً ومهنياً من خلال التشريعات والقوانين الصادرة. كما تتناول مهام لجنة الأرصاد الجوية الخاصة بالملاحة الجوية التابعة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية وتعليماتها من أجل سلامة النقل الجوي في العالم، وتوضح إمكانيات وآلية إصدار التنبؤات الجوية بالمركز الوطني للأرصاد الجوية لتسيير الملاحة الجوية بجميع المطارات الليبية.

ولتسليط الضوء على أهمية معلومات الطقس والتنبؤات الجوية في الطيران تستعرض الورقة ظروف وملابسات الحالة الجوية التي صاحبت حادث سقوط طائرة الايرباص A330 المملوكة لشركة الخطوط الافريقية الرحلة رقم 8U-771 بتاريخ 12 مايو 2010 في طرابلس من خلال خرائط الطقس والتنبؤات الجوية الصادرة عن المركز الوطني للأرصاد الجوية وتقرير لجنة التحقيق بمصلحة الطيران المدني. وفي ختام الورقة تقدم بعض المقترحات والتوصيات من أجل تطوير خدمات الأرصاد الجوية في ليبيا التي ستنعكس على تعزيز سلامة النقل الجوي بجميع أنواعه وغيره من القطاعات الأخرى.

 

مقدمة:

تتولى الأرصاد الجوية تقديم خدماتها لمعظم قطاعات المجتمع بحيث يمكن القول أنه لا يوجد أي قطاع لا يستفيد من هذه الخدمات سواء كانت معلومات الطقس اليومية والتنبؤات قصيرة ومتوسطة المدى أو بيانات الإرشيف المناخي لدى المركز الوطني للأرصاد الجوية. وإن كان قطاع الطيران المدني والعسكري يعتبر المستخدم الأكبر لمعلومات الطقس والتنبؤات الجوية فإن قطاعات أخرى مثل النقل البحري والنقل البري والزراعة والمياه ووسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية ومراكز البحث العلمي ودراسات الطاقة الشمسية والجفاف ومكافحة الجراد الصحراوي ومشروع  بحوث وزراعة السحب وغيرها من المجالات الأخرى لا تغفل أهمية استخدام معلومات وتنبؤات الأرصاد الجوية والبيانات المناخية في مجال عملها، والتي تقدمها الأرصاد الجوية على مدار الساعة طوال العام ولا تقتصر على فترة زمنية أو موسمية معينة وإن تفاوت تأثيرها وضروراتها التطبيقية ومواقيت طلبها أو الحصول عليها.

 

ومن الناحية التاريخية تؤكد سجلات هطول الأمطار المسجلة في مدينة طرابلس منذ سنة 1879 والمنشورة في كتاب (بلدية طرابلس في مائة عام من 1870 إلى 1970) [1] إبأن فترة الحكم العثماني (1551م-1911م) والمتوفرة في الإرشيف المناخي بالمركز الوطني للأرصاد الجوية، بأن بيانات الأرصاد الجوية في ليبيا تعود إلى ما قبل القرن العشرين الماضي، إلا أن الاهتمام التشريعي والقانوني بالأرصاد الجوية قد بدأ في خمسينيات القرن الماضي بصدور قانون الأرصاد الجوية رقم 54 سنة 1957 بإنشاء مصلحة خاصة بهذا القطاع مما يبرز الاهتمام المبكر به والحرص على تقنينه وتشريع اختصاصاته وآلية تسييره، وهو بذلك قد تزامن تقريباً وتلى صدور أول قانون للطيران المدني في ليبيا رقم (47) سنة 1956م المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1965م.

 

وقد خصص قانون الأرصاد الجوية رقم 54 لسنة 1957 مادته رقم (4) المعنونة بـ(واجبات مصلحة الأرصاد الجوية المتعلقة بالطيران المدني) بشكل صريح ومباشر ليؤكد أهمية خدمات الأرصاد الجوية لقطاع الطيران المدني وكذلك لتوطيد التنسيق والتعاون بين القطاعين من أجل سلامة النقل الجوي بجميع أنواعه من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف حددها المشرع في نص المادة كالتالي: (على مدير مصلحة الأرصاد الجوية أن يعد خدمات للأرصاد الجوية للطيران على أن تكون بقدر الإمكان بالشكل والأوضاع التي يتطلبها اتفاق شيكاغو وذلك دون الإخلال بعموم أحكام المادة (2) من هذا القانون لتحقيق الغايات التالية:

أ – مساعدة ملاحي الطائرات لإعداد أفضل العمليات الفعّالة وأحسن استخدام لمعدات طائراتهم.

ب – مساعدة قائد الطائرة الأول للقيام بعمليات الطيران بأمان ومقدرة ولاستقراء أفضل نتائج الأحوال الجوية الملاحظة أثناء الطيران.

ج – مساعدة خدمات الحركات الجوية ووحدات البحث والإنقاذ والهيئات المسئولة عن إدارة المطارات للقيام بواجباتها.

د – المساعدة في بحث المسائل المتعلقة بالطائرات والملاحة الجوية وإجراء التحريات اللازمة بشأنها.) [2]

ونلاحظ أن المشرع في قانون الأرصاد الجوية رقم 54 لسنة 1957 لم يغفل الجوانب الفنية الخاصة بالطيران التي من شأنها الحفاظ على سلامة حركة الطيران والنقل الجوي، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين خص بالذكر قائد الطائرة والملاحين وتوفير معلومات الأرصاد الجوية إليهم من أجل سلامة رحلاتهم الجوية، كما تناول البحث والإنقاذ عند حدوث بعض الحوادث الجوية مع التنبيه بأن يكون ذلك متوافقاً مع معاهدة إنشاء المنظمة الدولية للطيران المدني الموقعة في مدينة شيكاغو الأمريكية بتاريخ 7 ديسمبر 1944 والتي انضمت إليها ليبيا في 23 فبراير 1953م.

 

المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ولجنة الطيران والملاحة الجوية

تأسست المنظمة الدولية للأرصاد الجوية International Meteorological Organization (IMO) سنة 1873 ثم تطورت واستبدلت سنة 1950 بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية World Meteorological Organization (WMO) وصارت ضمن المنظمات والوكالات الفنية المتخصصة التابعة لهيئة الأمم المتحدة  www.wmo.int، وانضمت ليبيا إلى عضويتها بتاريخ 29 ديسمبر 1955 .

وضمن الهيكل التنظيمي للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية توجد ثمانية لجان فنية تتولى التنسيق في الأغراض التطبيقية ذات العلاقة بالأرصاد الجوية، من بينها لجنة الأرصاد الجوية لغرض الطيران Commission for Aeronautical Meteorology (CAeM) التي أنبثقت عن مؤتمر مدراء الأرصاد الجوية في العالم بمدينة وارسو سنة 1935  www.wmo.int/aemp. وتقع على هذه اللجنة عدة مهام فنية للتنسيق بين الدول الأعضاء بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية البالغ عددهم 191 مائة وواحد وتسعين دولة من مختلف قارات العالم لتقديم خدمات الأرصاد الجوية للطيران من أجل سلامة النقل الجوي. ومن بين مهام هذه اللجنة ومسئولياتها:

·         تفعيل استخدام وتطبيق معلومات الأرصاد الجوية في مجال للطيران، مع الأخذ في الاعتبار التطورات ذات الصلة في مجال العلوم والتكنولوجيا، ودراسة متطلبات الأرصاد الجوية للطيران والعكس؛

·         وضع المعايير والقياسات الدولية للأساليب والتقنيات والمعدات المستعملة في خدمات الأرصاد الجوية للطيران؛

·         تحسين عمليات الرصد الجوي وإعداد تنبؤات الطقس وإصدار الإنذارات الجوية في مناطق المطارات؛

·         إعداد دراسات دقيقة متخصصة بهدف تحسين دقة التنبؤات الجوية الخاصة بالطيران؛

·         الاهتمام بما تتطلبه عملية إعداد معلومات الأرصاد الجوية الأساسية والبيانات المناخية والرصدات والأجهزة المتخصصة في ذلك؛

·         تطوير وتحديث اللوائح التنظيمية ووالنظم الإرشادية مثل اللائحة الفنية للمنظمة،

·         تنفيذ النظام العالمي للتنبؤات الجوية لكل منطقة طيران (World Area Forecast System (WAFS بالاشتراك مع المنظمة الدولية للطيران المدني International Civil Aviation Organization (ICAO) ،

·         تحسين التنبؤات الجوية للخط الجوي أثناء الطيران، وظروف الطقس الخطيرة مثل دقة التنبؤ بظهور الاضطرابات الجوية، وتكون الجليد والرماد البركاني والأعاصير المدارية؛

·         إعداد الدراسات والبحوث العلمية حول تأثير الطيران على البيئة؛

·         تدريب العاملين المتخصصين في إصدار التنبؤات الجوية لغرض الطيران والملاحة الجوية.

 

ومنذ تاريخ انضمام ليبيا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية ظلت مصلحة الأرصاد الجوية تنفذ وتواكب تطور التعليمات الفنية واللوائح التقنية الصادرة عنها والعمل بما جاء فيها، بعد ترجمتها وتوزيعها على الراصدين والمتنبئين الجويين للتقيد بها، وذلك من خلال النشرات والتعميمات التي تصدرها إدارة التنبؤات الجوية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تمكنت إدارة المركز الوطني للأرصاد الجوية سنة 2010م من إصدارها في كتاب (دليل الراصد الجوي)[3] أعده الأستاذ أحمد صالح أبوغفه أحد خبراء التنبؤات الجوية في ليبيا، لإتاحة فرصة الاطلاع عليها لكل المتنبيئن الجويين العاملين بالمركز والاستفادة منها في تطوير مفاهيمهم وقدراتهم العلمية والعملية أثناء تأدية واجبهم من أجل سلامة حركة الطيران والنقل الجوي في بلادنا. ولمزيد الإهتمام شكل المركز الوطني للأرصاد الجوية (لجنة الأرصاد الجوية لغرض الطيران) تتكون من ستة متنبيئن جويين مناظرة وعلى غرار اللجنة الفنية الدولية المشكلة بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية لكي تتولى متابعة أعمالها وتقديم تقارير دورية حول تعليماتها الفنية ونشاطاتها.

 

فكرة إعداد التنبؤات الجوية وأنواعها:


يبدأ المتنبيء الجوي إعداد تنبؤاته بمراجعة خرائط الطقس التنابعية السابقة لفترته التناوبية، ودراسة الحالة الجوية السائدة من خلال الاطلاع على قراءات الرصدات الجوية لعناصر الحرارة والضغط واتجاهات وسرعات الرياح والظواهر الجوية المصاحبة. وبعد تحليل خرائط الطقس السطحية Synoptic Weather Charts (شكل 1) وتحليل خريطة المقطع الرأسي Tephigram Diagrams (شكل 2) وخرائط الأجواء العليا Upper Wind Charts  (شكل 3) والاستعانة بصور الأقمار الصناعية المختلفة Satellite Images (شكل 4،5) ونماذج التنبؤات العددية Numerical Weather Prediction Models الحديثة الصادرة عبر منظومات الحاسب الآلي، يقوم المتنبيء الجوي بتحديد مناطق الضغط المرتفع والمنخفض والجبهات الحارة والباردة المصاحبة لذلك، واستنتاج العلاقة الحرارية والديناميكية بين حركة كل العناصر الجوية في الحالة السائدة ورسم مستقبل حركتها المتوقعة من خلال المعطيات المتوفرة. وبعد ذلك ومن خلال كل تلك المعلومات والمناقشات يتولى إصدار تنبؤاته الجوية القصيرة والمتوسطة والطويلة Long, Medium, Short Range Forecasts خلال الأزمنة المحددة من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بالتوقيت العالمي الموحد Greenwich Mean Time (GMT) في جميع أنحاء العالم.





شكل رقم (1) : خرائط الطقس السطحية تبين وضعية الحالة الجوية وتوزيع الضغط الجوي والجبهات المصاحبة

 

هذه الآلية المتبعة في إعداد التنبؤات الجوية العامة التي من خلالها يتم إستنباط التنبؤات الخاصة بوسائل الإعلام وحركة النقل والصيد البحري والنقل البري وزراعة السحب وغيرها. أما التنبؤات الخاصة بالطيران والملاحة الجوية فهي تقدم خلال ثلاثة مراحل هي: قبل إقلاع الطائرة، وأثناء الطيران، وعند الهبوط، حيث يتم إعداد ورصد تقرير خاص للطيران والملاحة الجوية يسمىMeteorological Aviation Report (METAR) وذلك كل نصف ساعة طوال اليوم يشتمل على درجة الحرارة وسرعة واتجاه الرياح ومدى الرؤية وحالة السماء ونوع السحب والتغير في الضغط الجوي وQNH وظواهر الطقس السائدة، يتم ارساله لمركز مراقبة منطقة الطيران Area Control Centre (ACC)  وكذلك لبرج المراقبة الجوية بالمطار Air Traffic Control (ATC) بالإضافة إلى إعداد خرائط تنبؤات مسارات الطيران Prognostic Flight Charts (شكل 6) والتنبؤات الخاصة بالملاحة الجوية Terminal Aerodrome Forecast (TAF) التي يعدها المتنبيء الجوي ويصدرها في أزمنة دولية محددة كل ثلاثة وستة ساعات، واثنا عشرة وأربعة وعشرين ساعة في مواكبة متتالية ومتابعة مستمرة لتطورات أحوال الطقس وتقلباتها سواء في نطاق مطار معين أو على كامل ربوع البلاد والعالم بأسره (شكل 7).

وفي حالات حدوث أو التنبؤ بظاهرة جوية خطيرة قد تؤثر على سلامة الملاحة الجوية وحركة الطيران في نطاق المطار يقوم المتنبيء الجوي بإصدار تحذير جوي Weather Forecast Warning (WFW) يبين فيه نوع الظاهرة الجوية وحدودها واتجاهاتها وفق خطوط الطول والعرض وشدتها، كما يحدد توقيت سريان التحذير الجوي ونهايته، وكذلك إمكانية تمديده زمنياً إلى أن يتأكد من زوال الخطورة وسلامة الأحوال الجوية. أما عند حدوث أو توقع ظاهرة جوية خطيرة أبعد أو خارج النطاق الجغرافي للمطار، أي في مكان أخر في البلاد، يقوم المتنبيء الجوي بإعداد وإصدار تقريرSignificant Weather Report (SIGMET) يحدد فيه الظاهرة وشدتها وحدودها واتجاهاتها وفق خطوط الطول والعرض. وفي كلتا الحالتين يقوم مركز التنبؤات الجوية بعد إصدار هذه التنبؤات بإرسالها وتوزيعها على المطارات والمستخدمين المحليين داخل البلاد وكذلك لمراكز تجميع معلومات الأرصاد والتنبؤات الجوية الإقليمية والدولية، ومصارف معلومات الأرصاد الجوية في العالم Meteorological Data Banks سواء في بروكسل (بلجيكا) أو فيينا (النمسا) [4] .


شكل (2) خريطة المقطع الرأسي للهواء Tephigram

شكل (3): خريطة طبقات الجو العليا 500 مليبار "ارتفاع 18000 قدم"


شكل (4) صورة القمر الصناعي توضح توزيع بخار الماء


شكل (5): صورة القمر الصناعي توضح توزيع السحب


شكل (6): خريطة الطقس المتوقع أثناء الطيران Prognostic Weather Chart


شكل (7): نماذج نشرات الرصد والتنبؤات للطيران METAR, TAF

 

الطقس وحوادث الطيران في ليبيا

تعتبر ليبيا من الدول الآمنة التي تتمتع بطقس هاديء وغير مضطرب أو متقلب حاد مما يضمن سلامة النقل الجوي ويجعل وقوع حوادث الطيران نادراً بها. وعلى مدار التاريخ لم تسجل في ليبيا أية قراءات متطرفة لعناصر الطقس ماعدا درجة الحرارة الأعلى التي سجلت بمدينة العزيزية بتاريخ 13 سبتمبر 1922 حين بلغت 58 درجة مئوية واعتبرت أعلى درجة حرارة مسجلة على الكرة الأرضية[5]. ومنذ بداية حركة الطيران والنقل التجاري الجوي في ليبيا لم تسجل إلا أربعة حوادث مؤلمة وفادحة للطيران التجاري سقطت وتحطمت فيها الطائرات تماماً مخلفة العديد من القتلى والجرحى في الأرواح البشرية والكثير من الخسائر المادية. وهذه الحوادث مبينة في الجدول كالتالي[6]:

 

جدول رقم (1): حوادث سقوط الطائرات في ليبيا

م

التاريخ

شركة الخطوط

رقم الرحلة

مكان الحادث

الضحايا

1

9 أغسطس 1958

الخطوط الجوية لدولة أفريقيا الوسطى

Vickers Viscoun

بنغازي

مقتل 36 راكباً من أصل 54 كانوا على متنها بمن فيهم طاقم الطائرة.

2

27 يوليو 1989

شركة الخطوط الكورية  

DC 10

KAL803

طرابلس

مقتل 79 شخصاً من ركابها وسكان المنطقة التي وقعت فيها.

3

22 ديسمبر 1992

شركة الخطوط الجوية الليبية

B727

LN1103

طرابلس

وفاة جميع ركابها وطاقمها وعددهم 157 شخصاً وتحطم الطائرة.

4

12 مايو 2010

شركة الخطوط الأفريقية

A330

8U771

طرابلس

وفاة الطاقم و103 راكب ونجاة طفل واحد فقط.

 

ومن الجدول رقم (1) نلاحظ أن معظم حوادث الطيران في ليبيا كانت قرب مطار طرابلس العالمي وأدت إلى مقتل 375 إنساناً. وتبّين المعلومات المسجلة حولها بأنها وقعت خلال مرحلة الاقتراب النهائي للهبوط Final Approach أثناء الفترة الصباحية المبكرة التي يكثر فيها حدوث ظاهرتي الشبورة المائية والضباب الكثيف الذي يقلل من مستوى الرؤية الأفقية والعمودية ويعيق أحياناً عملية الهبوط الآمن للطيران. وأجريت دراسة حول هذه الظاهرة الجوية الخطيرة بعنوان (دراسات الضباب في شمال ليبيا Fog Studies in North Libya) [7]  استعرضت عدد الأيام التي سجل فيها ظهور الضباب في ستة محطات أرصاد بشمال ليبيا هي: زواره، طرابلس، مصراته، سرت، بنغازي ودرنة خلال الفترة من 1923 إلى 1930، إضافة إلى تحليل تسجيلات مناخية لأيام الضباب من سنة 1961 إلى 1990 في سبعة محطات أخرى هي: زواره، مطار طرابلس، نالوت، مصراته، سرت، بنينا، شحات. وأوصت الدراسة بأهمية إعداد دراسة بحثية متعمقة حول ظاهرة الضباب في شمال ليبيا باستخدام بيانات أطول واتباع طرق تحليل حديثة ومتطورة لضمان تنبؤات أكثر دقة لهذه الظاهرة الجوية المؤثرة في حركة الطيران.

 

معلومات الأرصاد الجوية وسقوط طائرة شركة الخطوط الافريقية:

تحطمت طائرة الخطوط الافريقية للطيران نوع ايرباص طراز A330-202 ذات التسجيل  5A-ONGبتاريخ 12 مايو 2010 فوق مدينة طرابلس بالقرب من المطار العالمي حين كانت في مرحلة الاقتراب النهائي استعداداً لهبوطها في الصباح الباكر قرابة الساعة الرابعة فجراً. وأشار التقرير النهائي الصادر عن مصلحة الطيران المدني خلال شهر فبراير 2013م باللغة الانجليزية والمنشور على موقع المصلحة الالكتروني بعنوان (Final Report of AFRIQIYAH Airways Aircraft Airbus A330-202. 5A-ONG Crash Occurred at Tripoli (LIBYA) on 12/05/2010)[8] بأن الطقس والتنبؤات الجوية ومعلومات الأرصاد الجوية كانت ضمن أسباب ذلك الحادث المروع الذي ذهب ضحيته أكثر من مائة راكب مع تكبد خسائر اقتصادية بالغة (شكل 8).

 



شكل (8): تحطم طائرة الإيرباص لشركة الخطوط الأفريقية بطرابلس

 

وقد أورد التقرير ملاحظات انتقادية حول معلومات الأرصاد الجوية وتنبؤات الطقس التي أعدها وبثها المركز الوطني للأرصاد الجوية ذاك اليوم يمكن إيجازها في نقطتين مهمتين هما:

1 - عدم دقة وتطابق التنبؤات الجوية مع الحالة الجوية السائدة أثناء وقوع الحادث وسقوط الطائرة.

2 - التأخر زمنياً في إبلاغ معلومات الطقس والأرصاد الجوية للجهات ذات العلاقة مثل مركز مراقبة طيران المنطقة وبرج المراقبة للمطار.

 

وبالرجوع إلى تقرير التحقيق الصادر عن مصلحة الطيران المدني المشار إليه ووثائق الأرصاد الجوية وحالة الطقس في يوم وقوع الحادث يمكن الاتفاق نسبياً مع ما ورد في التقرير، ولكن في نفس الوقت توجد به العديد من النقاط التي تعتبر تجنياً على ما تقدمه الأرصاد الجوية من خدمات فنية وفق الإمكانيات التقنية والبشرية المؤهلة لأجل سلامة الطيران المدني والملاحة الجوية.

وقد وردت بداية الإشارة إلى معلومات الأرصاد الجوية بالتقرير منذ النقطة رقم 1.7 الخاصة بمعلومات الأرصاد الجوية التي جاءت بعنوان (1.7 - Meteorological Information) بالصفحة رقم 23 حيث يقدم التقرير نبذة عن نشرات TAF , METAR المتوفرة في تاريخ وقوع الحادث، ثم يستعرض حالة الطقس العامة في مدينة طرابلس ويؤكد بأنها حالة موسمية عادية ومعروفة لدى كل طواقم الطيران بخصوصية توقع واحتمالية ظهور شبورة مائية أو ضباب أثناء شروق الشمس، أو عاصفة رملية أثناء النهار. ولمزيد الاطمئنان والدعم ينشر التقرير النص الحرفي لنشرات الرصد والتنبؤ TAF , METAR (شكل 9). كما خصص التقرير الفقرة رقم 1.7.4 التي جاءت بعنوان (استلام معلومات الطقس أثناء الطيران Weather information received in flight) للتأكيد بأن الاتصالات المسجلة مع الطائرة وكذلك تسجيلات Solid State Cockpit Voice Recorder (SSCVR) تثبت وتؤكد بان طاقم الطائرة قد استلم تلك النشرات والتنبؤات أثناء الطيران (شكل 10).

  


شكل (9): نشرات الرصد والتنبؤ METAR, TAF



شكل (10): نشرات الرصد والتنبؤ

 

كما تضمن التقرير بيانات منظومة المعلومات الآلية بالمطار Automatic Terminal Information System (ATIS) المسجلة عند الساعة 3 و21 دقيقة وعند الساعة 3 و28 دقيقة (شكل 11) أي بفارق 7 دقائق فقط نلاحظ فيها تغير الحالة الجوية السائدة آنذاك كالتالي:


شكل (11): بيانات منظومة المعلومات الآلية بالمطار

 

1 - ارتفاع درجة الحرارة من 19 إلى 22 م أي (3 درجات خلال 7 دقائق)

2 - ارتفاع نسبة الرطوبة المئوية من 89.5% إلى 95.5%

3 - زيادة مدى الرؤية من 7 كلم إلى 8 كلم

4 - عدم تسجيل تغير في قراءة الضغط الجوي المصحح

5 - عدم تسجيل تغير في حالة السماء الصافية والخالية من أي نوع من السحب =  F

6 - عدم تغير سرعة الريح حيث ظلت ساكنة تماماً = 0 KT

 وهاتان القراءتان مسجلتان قبل شروق الشمس بحوالي ساعة إلا ربع حيث كان الشروق في يوم الحادث على تمام الساعة 4 و 11 دقيقة كما ورد بالتقرير، وهذه التسجيلات تتطابق نسبياً مع النشرات التي أصدرها المتنبيء الجوي بالمركز الوطني للأرصاد الجوية، ويستنتج منها أن الحالة الديناميكية لكتلة الهواء كانت تتفاعل بشكل ملحوظ وعملية التسخين والتصاعد Convection & Warming في بداياتها الأولية ولازالت السحب في مرحلة التكوين Formation Stage خلال عملية عدم الاستقرار Instability Process في الغلاف الجوي[9].

 

كما أورد التقرير في الصفحة 75 الفقرة رقم 2.9 الخاصة بالطقس بعنوان (2.9 Weather) استعرض فيها نشرات الرصد والتنبؤ للحالة الجوية السائدة في تاريخ الحادث الصادرة عن المركز الوطني للأرصاد الجوية وأكد أن الحالة الجوية قد تم إرسالها واستلامها من مركز مراقبة المنطقة Area Control Centre (ACC) والذي بدوره مررها إلى طاقم الطائرة. كما أوضح أن تلك التنبؤات كانت لا تعيق حركة الطائرة، كما أوضح أن جهاز رصد السحب Ceilometer سجل ظهور بعض خلايا السحب الطبقية المنخفضة Stratus وذكر بأن التحذير الجوي الصادر عن المركز كان متأخراً جداً في إرساله. وهنا لابد من ملاحظة أن تقرير مصلحة الطيران المدني لم يتناول بعمق تحليل حالة الطقس السائدة، ولا متابعة عملية الديناميكا الحرارية لكتلة الهواء في المنطقة، ولا دراسة إعداد التنبؤات الصادرة عن المركز بشكل فني دقيق، وطبيعة توقيت بثها ونشرها. وربما يرجع هذا إلى عدم وجود أي عضو من الأرصاد الجوية في لجنة التحقيق التي أعدت هذا التقرير. وهي لجنة مشكلة بقرار أمين اللجنة الإدارية لمصلحة الطيران المدني رقم 87 لسنة 2010 الصادر بتاريخ 13/5/2010 وتضم رئيساً وعشرة أعضاء. كما أن قرار تشكيل اللجنة المشار إليه لا يشير أو يذكر صفات الأعضاء الوظيفية المهنية العملية ولا تخصصاتهم العلمية ولا يتضمن أي خيار لإمكانية الاستعانة بخبرات وطنية ليبية في مجال الأرصاد الجوية أو غيرها، بينما أجاز فيه لخمسة جهات دولية المشاركة في جميع مراحل التحقيق وهي: مكتب التحقيق الفرنسي، شركة الإيرباص، هيئة السلامة الهولندية، مكتب التحقيق بجمهورية جنوب أفريقيا، هيئة سلامة النقل الأمريكية، ولاشك بأن هذا يعد قصوراً فنياً معيباً في القرار.

 

وتأخر إعداد وبث تحذير الطقس الجوي قد يكون مرده إلى عدم اكتمال استقرار الوضع العام للحالة الجوية السائدة للتأكد من حدوث الظاهرة الجوية التي تتطلب إعداد التنبؤ أو التحذير الجوي الخاص بها، وبثه في التوقيت المحدد. وربما اختار المتنبيء الجوي عددم الاستعجال في تقدير وضع معين ثم يتبين عدم حدوثه، إلا أن هذا لا يجيز التباطؤ في اتخاذ القرار الصحيح، وضرورة أن يكون في الزمن المناسب. ولا شك فإن دقة وتوقيت رصدات وتنبؤات الأحوال الجوية تشكل أهمية بالغة في مجال الطيران حيث يتطلب توفرها والتعرف عليها ودراستها قبل الإقلاع لتحديد ارتفاع ومسار خط الطيران، ثم أثناء الطيران حيث ضرورة التعرف على أماكن وارتفاعات المطبات الهوائية Air Turbulence وسرعة واتجاه الرياح النفاثة  Jet Streamsوتكون الجليد على سطح الطائرة Aircraft Icing لاتخاذ التدابير اللازمة للتعامل معها وتفادي أضرارها، ثم عند الاستعداد للهبوط في مطار الوصول وتعديل جهاز الضغط Altimeter Setting الخاص بالارتفاع[10] لضمان هبوط آمن عند ملامسة عجلات الطائرة لأرضية المهبط وتفادي الارتطام به.

 

وفي ختام التقرير خلصت اللجنة إلى عدد من النتائج التي توصلت إليها نشرتها بالصفحة رقم 88 تحت عنوان (3.1 Findings) ذكرت في النقطتين (9) و(10) بأن الحالة الجوية السائدة في تاريخ الحادث لا تشكل صعوبة على هبوط الطائرة، ولكن معلومات الطقس التي توفرت للطاقم لم تكن تمثل الواقع السائد للحالة الجوية لحظة الاقتراب للهبوط. وفي توصيتها رقم (21) الواردة بالتقرير طالبت اللجنة المركز الوطني للأرصاد الجوية بتطوير خدمات الطقس وإصدار التحذيرات الجوية في موعدها الدقيق والمناسب عند حدوث تغير مهم في الأحوال الجوية.

 

إن النتائج التي توصلت إليها اللجنة والتوصيات التي رفعتها يجب أن تكون برنامج عمل لتطوير قطاع الطيران والأرصاد الجوية لضمان فضاء جوي آمن من كل الأخطار والتهديدات الطبيعية وتقليل نسبة الأخطاء البشرية إلى الحد الأدنى والذي لا يمكن تحقيقه إلا بالاهتمام بالعنصر البشري وإعداده وتأهيله فنياً. كما أن توطين التقنيات والأجهزة والمعدات الحديثة والمتطورة في مجال رصد عناصر الطقس وتتبع مسارات الطيران يعزز سلامة الطيران والنقل الجوي في البلاد.

 

الخلاصة والتوصيات:

تناولت الورقة أهمية خدمات الأرصاد الجوية من أجل سلامة الطيران والنقل الجوي بداية من تتبع تاريخها وعلاقتها الوطيدة بمجال الطيران المدني ، واستعرضت الكثير من المعلومات القيمة حول هذه الخدمات الفنية المهمة وآلية إعدادها. كما تعرضت لأحد التقارير الفنية التي أعدتها لجنة التحقيق في سقوط طائرة شركة الخطوط الأفريقية في طرابلس سنة 2010. وقد تعززت الورقة بالعديد من الأشكال والصور والرسومات التوضيحية والمراجع العلمية في مجال الأرصاد الجوية والطيران.

وحتى لا تتكرر حادثة سقوط طائرة شركة الخطوط الافريقية التراجيدية المؤلمة، وغيرها من رحلات الطيران، لابد من الاستفادة والتعلم من كل الأخطاء التي وقعت، والعمل على تفادي حدوثها مستقبلاً. وقد أبرزت تلك الأخطاء قصوراً واضحاً في توفير والتعامل مع التقنية الحديثة المتطورة، وكذلك تدني تأهيل الأفراد العاملين في قطاع الأرصاد والتنبؤات الجوية والطيران المدني، وضرورة الارتقاء بمستوياتهم العلمية والعملية بما يضمن تحقيق الدقة في إنجاز العمل لضمان السلامة والآمان. ويمكن إيجاز هذه التوصيات والمتطلبات في النقاط التالية:

1) الاهتمام ببناء القدرات الوطنية والتدريب والتأهيل المستمر أثناء العمل لمواكبة التطورات في مجال الأرصاد الجوية والطيران المدني.

2) إجراء البحوث والدراسات العلمية حول الظواهر الجوية المؤثرة على سلامة الطيران كالعواصف الرعدية والزوابع الرملية وتتبع وتطوراتها.

3) عقد لقاءات تقابلية وورش عمل وندوات مستمرة للعاملين في الأرصاد والتنبؤات الجوية والطيران المدني والسلامة المهنية.

4) العمل على توطين أساليب حديثة تعتمد مواصفات الجودة العالمية وفق المعايير التي تضعها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية WMO ومنظمة الطيران المدني الدولية ICAO والمنظمة الدولية للنقل الجوي  IATA .

5) تركيب الأجهزة الحديثة المتطورة للرصد الجوي ومنظومات التنبؤات العددية الدقيقة ذات الدقة العالية.


_____________________________________ 

المراجع العربية:

[1] بلدية طرابلس في مائة عام 1286-1391 هـ، 1870 - 1970م. (1970)، إصدار بلدية طرابلس - ليبيا، ص 28.

[2] الفنادي، يونس شعبان. (2005) الأرصاد الجوية في التشريعات القانونية. طرابلس/ليبيا. إصدارات المركز الوطني للأرصاد الجوية.

[3] أبوغفة، أحمد صالح. (2010) دليل الراصد الجوي. طرابلس/ليبيا. إصدارات المركز الوطني للأرصاد الجوية.

[4] أبوغفة، مصدر سبق ذكره.

 

 

المراجع الأجنبية:

[5] Al-Fenadi, Younis. 2007. Hottest temperature record in the world, El Azizia, Libya. WMO bulletin.  http://www.wmo.ch/pages/mediacentre/news_members/newsfromMembers.html

 

[6] https://aviation-safety.net/

 

[7] Al-Fenadi, Younis. 2001. Fog studies in north Libya. Proceedings of The second Int. conference on fog and fog collection, St. John’s, Canada, 15-20 July 2001, PP 399-402

 

[8] www. caa.ly/.../94-civil-aviation-authority-participate-in-the-session-of-the-37-in-icao-6.htm...

 

[9] Byers. Horace, R. 1974. General Meteorology. McGraw Hill Inc., 4th ed. pp 277-279

 

[10] Meteorological Office . 1980. Hand Book of Aviation Meteorology, London, UK, pp 129-134

تعليقات